وسط الانشغال المحلي في الساحل السوري بتداعيات الحملة الأمنية في حي الدعتور على أطراف اللاذقية، يومي الثلاثاء والأربعاء، 4 و5 آذار، والتي راح ضحيتها 10 أشخاص بينهم أم وطفلها الرضيع، بدأت وزارة الدفاع السورية والأمن العام “عملية عسكرية” في الساحل تستهدف “فلول النظام”، على خلفية ما قالت إنه “كمين نصبته مجموعات مسلحة تابعة للنظام السابق، ظهر الخميس، واستهدف دورية تابعة للأمن”.
وشهدت الحملة استخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة، كما سجّلت للمرة الأولى استخدام الطيران المروحي في قصف قريتي الدالية وبيت عانا في ريف جبلة.
ولم يكد يغرب مساء الجمعة “السوداء”، حتى بدأت نعوات الضحايا ومناشدات الأهالي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
ووفقاً لمصادر متقاطعة فإن الحصيلة غير النهائية للضحايا بلغت أكثر من ألف شخص غالبيتهم من الشباب الجامعي. وبينما لا تزال الجثامين منتشرةً في الشوارع حتى الآن، تغيب سيارات الإسعاف والطواقم الطبية بشكل كامل، ويعجز الأهالي عن إسعاف أبنائهم في المناطق المستهدفة والتي يتحول فيها أي شخص يخرج إلى الشوارع إلى هدف للقوى الأمنية والعسكرية المنتشرة في المنطقة.
وفي ساعة متأخرة من ليل الجمعة، ظهر الرئيس السوري، أحمد الشرع، في خطاب بارك فيه لقوى الجيش والأمن التزامهم حماية المدنيين وسرعتهم بالأداء، مؤكداً، على قوى الأمن، عدم السماح لأحد بالتجاوز والمبالغة برد الفعل، قائلاً إن “أهلنا في الساحل، في أماكن الاشتباك جزء مهم من وطننا وواجبنا حمايتهم”، ومطالباً جميع القوى التي التحقت بأماكن الاشتباك بالانصياع لأوامر القادة العسكريين، وإخلاء المواقع فوراً لضبط التجاوزات الحاصلة.
رزان مرتضى زوجة الشهيد علي نضال دوبا تقول: “أوصيكم برواية قصتنا، قتلوا حبيبي قبل أن يرى ابنته الأولى التي كان يتشوّق للقائها ويتحسس حركتها في بطني.. قتلوه وهو الصيدلاني الذي كان يحلم بالسفر لنعيش حياة كريمة وسعيدة”.
وتتابع: “قتلوه اليوم غدراً على يد من يدعي أنه من الأمن، فتشونا عشرات المرات في البيت وأخذوا سياراتنا وأغراض البيت، وجاء الغادرون وطلبوا منه الذهاب معهم للتسوية، مع أنه مدني هو وعديله الشهيد علي محمد هيفا. أخذوهما إلى مزرعة مسورة، مع شباب الضيعة وصبيان بعمر 10 و12 عاماً، وإلى الآن لم نستطع أنا وأهله سحب جثمانه”.
أما زين نيوف، الشاب المغترب، فيقول: “مضى يوم كامل على استشهاد عائلتي، وحتى الآن، ما زالوا في مكانهم في بيتهم على الأرض. كنا نتمنى أن يعيشوا بكرامة، ثم تمنينا أن يعيشوا بأمان، والآن نتمنى أن يُدفنو فقط..
هنيئاً لهم الشهادة وكان الله في عون من بقي، أهلي وأقربائي وأصدقائي وجيراني وأبناء حارتي ومن أحبهم، يُقتَلون مجدداً.
ومن كان يعزيني بالأمس قُتل أو سأعزيه اليوم. هم الآن بين يدي الله واللهم إذا كان هذا يرضيك، فخذ حتى ترضى”.
الشاب جعفر، من قرية حريصون في بانياس، يناشد المعنيين بالقول: “كل العالم هربت من الضيعة إلى البراري والوديان.
بقيت أنا والدتي المريضة بالشلل سفلي، لم نستطع الحركة، هناك مسلحون تحت المنزل يسرقون الأبنية المجاورة ويحرقونها ويحاولون فتح باب بنائنا”.
بحرقة شديدة تبكي ريم محمد، طالبة الطب في جامعة اللاذقية، زملاءها وعائلاتهم الذين تم قتلهم جماعياً.
“لقد تم قتل والد زميلنا الطبيب حازم حمامة ووالدته وإخوته الاثنين زملائنا، كما تم قتل جيراننا، الإخوة، الطبيب إبراهيم نزهة وأختاه الصيدلانيتيان هزار ونور.
لقد قاموا بإهانة كرامتنا الإنسانية، ضربوا الرجال بالأيدي والعصي، ووصفونا بالخنازير، وأجبروا الأهالي على القيام بأفعال حيوانية مثل العواء”.
وطالت هذه الجرائم أيضاً عائلات المعارضين لنظام الرئيس السابق، بشار الأسد، ومنهم الناشطة الحقوقية، هنادي زحلوط الملقبة بـ”بنت الثورة”، حيث تم إعدام إخوتها الثلاثة، أحمد وعبد المحسن وعلي زحلوط، إلى جانب رجال آخرين في قريتها باللاذقية.
وقالت زحلوط إن الرجال اقتيدوا من منازلهم وأعدموا ميدانياً، مطالبةً بحماية من تبقى من النساء والأطفال، والسماح لهم بدفن موتاهم.
ونعى الإعلامي، سومر حاتم، زوج خالته، “الشهيد المربي الفاضل، عن عمر 75 عاماً، الذي قتلوه تحت راية الله أكبر في شهر رمضان، في قرية شريفا”.
وبحسب شهود عيان في القرية نفسها، فإن الجثامين لا تزال في الأرض ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها كما تم التنكيل في العديد منها، عرف منها جثماني المرأة المقعدة فتاة الشيخ علي وزوجها.
كما ناشدت الإعلامية المعروفة رائدة وقاف، التي كانت في زيارة عائلية إلى جبلة، الأمن العام، حيث تم دخول شيشانيين وأجانب إلى بيوت المدنيين ونهب المصاغات من البيت الذي كانت تقيم فيه.
إلى ذلك، نعى «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر»، الذي تم تشكيله منذ أكثر من شهر، الشيخ شعبان منصور، وهو أحد أبرز المشايخ العلويين في سوريا، بعدما كان قد اعتُقل وابنه في وقت سابق من يوم الجمعة.
الحكومة من جهتها اعترفت بوجود عناصر تقوم بتصرفات “فردية غير منضبطة” ما أدى ، بحسب مصدر عسكري، إلى إيقاف العملية العسكرية في الساحل، إلى حين إخراج العناصر غير المنتمين إلى المؤسسة الأمنية والعسكرية. وشدد المصدر على ملاحقة حاملي السلاح، إلا أن مصادر أهلية أكدت للميادين أن الحملة لا تزال مستمرةً، حتى ساعة كتابة هذا التقرير.