اخبار اقليمية

صراع الهيمنة على المحيطات والبحار.. كيف ضاعت الهيبة الأميركية؟

بعد أيامٍ من بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عملت أطراف محور المقاومة على نصرة الشعب الفلسطيني بهدف رفع العدوان وإنهاء الحصار.

نصرة غزّة جاءت لتؤكّد أنّ أجزاء المنطقة مترابطة عضوياً لا كما أرادت الولايات المتحدة الأميركية، لذلك فإنّ الدعم جاء عبر طرائق شتّى، المقاومة في لبنان بدأت بعد يومٍ واحد من انطلاق “طوفان الأقصى”، باستهداف القوات الإسرائيلية على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، مُوجهةً ضرباتٍ صاروخية إلى المواقع العسكرية الإسرائيلية، وبدورها، كثّفت المقاومة في العراق استهدافاتها للقواعد الأميركية في سوريا والعراق، وكذلك، وجّهت صواريخ إلى الداخل الإسرائيلي.

من ناحيته، عمل اليمن على إطلاق الصواريخ والمسيّرات على الكيان واستهداف السفن الإسرائيلية أو المتوجّهة إلى كيان الاحتلال في البحرين العربي والأحمر، وكذلك فعلت إيران التي استهدفت سفينتين إسرائيليتين في المحيط الهندي، الذي يعتبر مقر ومركز تحركات الأساطيل والسفن الأميركية في الشرق، وهنا نسأل هل تأثّرت الهيمنة الأميركية على البحار والمحيطات بعد “طوفان الأقصى”؟

كيف استهدفت المقاومة مظاهر الهيمنة الأميركية في البحار والمحيطات؟

أرسلت إيران منذ اليوم الأول لـ”ـطوفان الأقصى”، رسائل تحذيرية إلى الولايات المتحدة الأميركية بشأن إيقاف العدوان على غزّة، وعدم توسيعه، بيد أنّ واشنطن لم تستوعب الرسائل، وعلى العكس، سعت بنفسها إلى توسعة الحرب عبر خطواتٍ عسكرية اتّخذتها في البحر المتوسط أولاً، ثم البحر الأحمر كتحالف “حارس الازدهار” لمواجهة القوات البحرية اليمنية، وأيضاً، التحالف الأميركي – البريطاني الذي وجّه ضربات عدّة في الداخل اليمني.

ونتيجةَ التصعيد الأميركي، صعّد محور المقاومة استهدافاته للقوات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وانتقل إلى تنفيذ استهدافاتٍ متنوعة أخذت منحىً استراتيجياً مقابل الهيمنة الأميركية على البحار والمحيطات.

الأربعاء الفائت، كشفت إيران، أنّها هي التي تقف وراء استهداف السفينتين الإسرائيليتين في المحيط الهندي في الرابع من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، وذلك في سياق الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، وأيضاً المستشار العسكري الإيراني في سوريا العميد رضي موسوي.

الاستهداف الإيراني للسفينتين في المحيط الهندي يؤكّد أنّ قدرات إيران في الإقليم تتسع، من باب المندب إلى المحيط الهندي وصولاً إلى غرب آسيا، وهنا تبرز أهداف محور المقاومة بدايةً من كسر القرار الأميركي بالاستفراد بغزّة، ومنع تدخّل أيّ طرف من خارجها في الحرب، وتحدّي الإرادة الأميركية في ضمان الهيمنة على البحر الأحمر لمصلحة “إسرائيل”، وكذلك، جاءت الاستهدافات الإيرانية في المحيط الهندي لضرب الهيبة الأميركية العالمية في البحار والمحيطات، بهدف إعاقة سيطرة البحرية الأميركية على الممرات المائية الإستراتيجية في المنطقة.

سيف دعنا: محور المقاومة ضرب الهيمنة الأميركية على البحار والممرات المائية

بنت الولايات المتحدة نظريتها للهيمنة على العالم، بالقبض المباشر على البحار والمحيطات والممرات المائية الحيوية، كشرط استراتيجي لضمان التحكّم العسكري والاقتصادي على المنافسين المحتملين، وعن هذا الأمر قال أستاذ علم الاجتماع والدراسات الدولية في جامعة ويسكونسن، سيف دعنا للميادين إنّ “الهيمنة الأميركية ما بعد الحرب العالمية الثانية استندت إلى السيطرة المطلقة على المحيطات والبحار، وبالتالي على كل التجارة الدولية، وهذا أحد أهم عوامل قوّتها”.

ولفت دعنا إلى أنّ محور المقاومة يتحدى الولايات المتحدة في هذه الساحة (البحر والمحيطات) التي تُظهر سطوة الولايات المتحدة وتعدّ أحد مظاهر قوّتها، مضيفاً أنّ “الحدث مُهم جداً بغضّ النظر عن تبعاته أو التدمير الذي حصل بعد استهداف السفينتين الإسرائيليتين في المحيط الهندي”.

وعن السيطرة العسكرية الأميركية، أكّد دعنا أنّ “حاملات الطائرات تُعدّ إحدى أدوات الهيمنة الأميركية بسبب سيطرتها على البحار والمحيطات، وزعم وجودها هو حماية التجارة الدولية والسيطرة عليها”.

الهيمنة الأميركية في تراجع

بعد الاستهدافات الإيرانية واليمنية للسفن الإسرائيلية، سعت الولايات المتحدة إلى نشر دعاية مُغرضة مفادها أنّ من يهدد الملاحة في البحار والمحيطات هو إيران والقوات اليمنية، وكل ذلك لحماية “إسرائيل” والسفن المتوجّهة إليها، الأمر الذي رفع مستوى القلق الأميركي على مصالحه والمصالح الإسرائيلية.

صفة الهيمنة  على البحار والمحيطات التي بقيت ملازمة لـواشنطن منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية 1945، باتت اليوم في تراجع، ولا سيما مع نجاح الاستهدافات الإيرانية واليمنية للسفن الإسرائيلية والأميركية، وكل ذلك في ظلّ حضور البوارج الأميركية في البحر الأحمر وبحر العرب، تحت اسم “حارس الازدهار”، وكذلك حضور سفن “القيادة العسكرية الأميركية الوسطى” (سينتكوم) وبوارجها، والحاضرة بقوّة في 3 مناطق: الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، وجنوب آسيا (القارة الهندية وأطرافها).

ولا يُمكن أن نغفل صعود الدور الصيني والروسي في المحيطات والبحار الذي يأتي قبالة الحضور الأميركي ولإضعافه، ففي آذار/مارس 2023، نفّذت الصين وروسيا وإيران مناورات “حزام الأمن البحري 2023 المشتركة” في شمال المحيط الهندي.

عندها، أثارت هذه العلاقات الوثيقة بين الدول الثلاث انزعاجاً كبيراً لدى الدول الغربية، وتحديداً واشنطن، إذ أعربت عن قلقها منها.

البحرية الصينية أيضاً تُخطِّط ليتجاوز عدد سفنها عدد سفن الأسطول الأميركي في غضون سنوات قليلة، وهذا العدد وحده ربما يُمثِّل اختلالاً مُزعِجاً، بالنظر إلى تَركُّز نشاط البحرية الصينية في بحر الصين الجنوبي.

وتشرع روسيا، بدورها، في تشييد برنامج تحديث بحري، يُركِّز على الغواصات والمدمرات الجديدة، كما أنها تُوسِّع أو تبني قواعد بحرية جديدة في القطب الشمالي والمحيط الهادئ والبحرين الأسود والمتوسط. أما إيران فتُواصِل تطوير قدراتها الصاروخية بما في ذلك برنامجها الخاص لتطوير الصواريخ الباليستية، ويبدو أن هذه القوى الثلاث تنافس الولايات المتحدة في الهيمنة البحرية.

مع ذلك، لم يعنِ ما تقدّم أنّ واشنطن ستتخلّى عن الخيار العسكري ربما المحدود، والذي يستهدف توجيه رسالة ردع، وهو ما حاولت الولايات المتحدة، بالفعل، القيام به، عبر الضربات التي قادتها ضدّ اليمن، بالشراكة مع بريطانيا.

“باب المندب” إغلاق في وجه الهيمنة الاقتصادية الأميركية

عقب أيام من اندلاع معركة “طوفان الأقصى”، أعلنت القوات اليمنية في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أنّ باب المندب والمياه المحيطة به سيتم إغلاقهما في وجه السفن الإسرائيلية أو المتهجة إلى “إسرائيل”، وهذا الأمر أدّى إلى تراجع الهيمنة الأميركية في تلك المنطقة.

إنّ الهيمنة الأميركية على المضائق والبحار، ولا سيما البحر الأحمر ومضيق باب المندب تؤدي بالنتيجة إلى السيطرة على الاقتصاد العالمي وشرايينه، إنّ مضيق باب المندب الذي تعبره السفن قادمة من المحيط الهندي وبحر العرب نحو البحر الأحمر يتمتّع بأهمية استراتيجية واقتصادية وعسكرية، جعلته ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، وقد عملت القوى المتنافسة على تعزيز نفوذها فيه بإنشاء قواعد عسكرية لاستغلال التحكم بالمضيق، وهذا ما فقدته الولايات المتحدة بعد صعود أنصار الله في اليمن.

اليوم، مُشكلة الولايات المتحدة مع اليمن، تخطّت العدوان في غزّة، بل اتخذت بعداً دولياً مرتبطاً بالمنظور الأمني والاقتصادي الأميركي. إذ إنّ واشنطن تحتاج إلى الاستقرار في البحر الأحمر، للتحكم بطريق التجارة العالمية، وضمان مصادر الطاقة، مع العلم أنّ المضيق يتحكّم وفقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض، في 15% من التجارة العالمية، و8% من التجارة العالمية للحبوب، و12% من النفط المنقول عبر البحار، و8% من الغاز الطبيعي المسال في العالم.

وأيضاً، تسعى الولايات المتحدة من خلال سيطرتها البحرية للحفاظ على مصالح الكيان الإسرائيلي الاقتصادية لضمان أمنه واستقراره، ولا سيما أنّ  80% من احتياجات “إسرائيل” الأساسية تمرّ عبر البحر الأحمر، وبناءً عليه، فإنّ ما تقوم به واشنطن يهدف بشكلٍ أساسي إلى محاولة إنقاذ “إسرائيل” من ورطتها التجارية والاقتصادية، من خلال محاولة ربط الخطر على “إسرائيل” بالخطر على التجارة العالمية.

المصدر: الميادين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى