بعد مرور حوالى 6 أشهر على وفاة الطفلة لين طالب، ابنة ست السنوات التي خسرت حياتها بسبب الاغتصاب في ثاني أيام عيد الأضحى بمنزل عائلة والدتها، كان صادما الكشف عن هوية الجاني الذي تبين انه خال الطفلة، وقد حاولت الام والجدين التستّر على الجريمة. وهذا الفعل يعرف بـ “زنا المحارم” أو “غِشيان المحارم” أو “سفاح القربى” ، الذي يعني نشاطا جنسيا بين شخصين من العائلة نفسها أو تربطهما صلة عائلية قريبة.
بالموازاة، “الديار” تابعت كل فصول هذه القضية منذ البداية، وكانت السبّاقة في كشف هوية المجرم المغتصب قبل صدور القرار الظني المتعلق بجريمة الاغتصاب، والذي أكد كل الفرضيات التي وضعتها امام الرأي العام. والقرار الظني هو كحصيلة للتحقيقات والاستجواب منذ ارتكاب الجريمة والتعرف الى الفاعل والمتسترين عليه.
في اعدام أو ما في!
وفي الإطار، كانت القاضية نصار قد طالبت في القرار الظني الذي اصدرته بإعدام الخال والام والجدّين، لإنصاف الطفلة وبيت جدها لجهة الوالد، وهذا الحكم أرضى اللبنانيين بعد ان تحول هذا الملف الى قضية رأي عام. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تأخرت الهيئة الاتهامية في البت بالملف؟ وهل يُطبق حكم الإعدام في لبنان؟
مصادر قضائية متابعة للملف قالت لـ “الديار”: “بعد تحويل الملف الى النيابة العامة الاستئنافية، والتي بدورها ترسله الى الهيئة الاتهامية التي سوف تبحث ملف القضية بشكل مفصّل، لتعاود محكمة الجنايات في الشمال اصدار العقوبة بالمتهمين، وليس قاضي التحقيقات. ووفقا للقانون، فان القرار الظني الذي يصدره عادة قاضي التحقيق يخمّن ويصف الفعل الجرمي الذي وقع فقط”.
يذكر ان القاضية نصّار توصلت الى بعض المعلومات الموسّعة في القضية، حيث اكتشفت ان الخال هو من قام باغتصاب الطفلة في غياب اهل المنزل.
ردّ القرار الظني؟
هل يمكن للهيئة الاتهامية رد القرار الظني؟ يجيب مصدر قانوني لـ “الديار”: ان “الهيئة الاتهامية هي غرفة من غرف محاكم الاستئناف، وهي بحكم وظيفتها قضاء الدرجة الثانية بالنسبة للتحقيق الابتدائي أي الاستنطاقي، وسلطة اتهام واحالة الى محكمة الجنايات. ومن صلاحياتها:
– الاتهام: فبعد انتهاء قاضي التحقيق من إجراءاته، اذا رأى أن الفعل يشكّل جناية وجب عليه احالة ملف القضية مصحوبا بقراره الظني الى النيابة العامة الاستئنافية لإرساله الى الهيئة الاتهامية، باعتبارها المرجع القضائي الوحيد الصالح لإصدار قرار اتهامي يتعلق بالجناية. وتتميز الأصول لديها بأنها سريعة ومكتوبة وسرية، أذ انها تكتفي بالاطلاع على الأدلة والمذكرات لاتخاذ الموقف الصائب، ولا تستجوب المدعى عليه أو تستمع للمدعي الشخصي أو الشهود، ما لم تقرر أجراء تحقيق أضافي. وتقوم بعملها بصورة سرية أي دون مثول المعنيين أو النيابة العامة، اذ يفترض على النائب العام تهيئة الدعوى في غضون 5 أيام ووضع تقريره، أي المطالعة خلال الـ 5 أيام التالية، وعلى الهيئة الجزم في الملف خلال 3 أيام على الأكثر، وبنتيجة المذاكرة بين أعضاء الهيئة الاتهامية يجب اتخاذ أحد القرارات الاتية:
1- التوسّع في التحقيق: تقوم به بنفسها أو بتكليف قاضي التحقيق، وبنهايته ينقل الملف مجددا الى النيابة العامة لإبداء مطالعتها .
2- ابطال المحاكمة : منع المحاكمة عن المدعى عليه، اذا كان الفعل لا يؤلف جرما أو سقط لأحد الأسباب القانونية أو لعدم كفاية الأدلة .
3- الاحالة الى المحاكمة : اذا كان الفعل يؤلف جناية، تصدر الهيئة الاتهامية قرارها الاتهامي وتُحيل الجاني، الذي يسمى متهم الى محكمة الجنايات ، وفي حال وجدت أن فعل المدعى عليه يؤلف جنحة تبعثه الى المحكمة الجزائية .
القرار اتى مفصّلا على قياس الجريمة!
وفي موازاة ذلك، ذكر في القرار الظني حرفيا ان “الخال نفّذ فعلته بالحمام، وغطى فم الطفلة بشريط لاصق حتى لا يسمع أحد انينها، ما تسبب بتورّم شفتيها، وأكثر من ذلك امسك يدها بقوة ما أدى الى كسر يدها، ومن ثم اغتصبها حتى الموت، وهو ما ترك كدمات على جسدها الطري. حاولت الطفلة الدفاع عن نفسها فخدشت المتهم بأظافرها وهذا ما اوجد علامات على رقبة الجاني وأكدت نتائج فحص الـ (DNA) ذلك”.
البت بالملف “عويص”
عم الطفلة عامر طالب قال لـ “الديار”: “في بدء الامر اعتقدنا ان صدور القرار الظني ونقل الملف الى الهيئة الاتهامية قد أعاد للطفلة حقها، بغض النظر إذا كان حكم الإعدام في لبنان يطبق ام لا. ولكن نحن بانتظار خروج الملف من الهيئة الاتهامية، مشيرا الى انه استغرق وقتاً أكثر مما ينبغي، ولا شك ان القضية معقّدة وليست سهلة، ودراسة الملف قد تحتاج الى أسابيع وربما أشهر”.
أضاف “لكن من خلال متابعتنا المستمرة، علمنا ان الهيئة الاتهامية لم تجرِ استجواب للمتهمين بعد وبالتالي الملف لم يُحَل. ونحن نثق بالقضاء اللبناني والقضاة النزهاء الشرفاء في الهيئة الاتهامية، ولكن نستغرب التأخير الحاصل في حسم الملف، فإما يُرسل القرار كما هو في حال تم التثبّت من البراهين والحجج المنطقية التي تدل على الحقيقة، ونحن متأكدون من ان القرار لم يصدر عشوائيا وانما انطلاقا من ادلة دامغة وكافية، وإذا كان يوجد امر جديد فيجب اضافته، وساعتئذٍ على الهيئة الاتهامية إعادة التحقيق، لكن القيام بهذه الخطوة تأخر كثيرا بعد مرور حوالى 6 أشهر على هذه الجريمة”.
وقال طالب: “اطلب عبر منبر “الديار” إعادة فتح القضية حتى نتمكن من اغلاق الملف بشكل كلي، ويطمئن قلب الطفلة التي ترقد في قبرها وأيضا ليرتاح ضميرنا، فإما ان يحول الملف واما إعادة الاستجوابات، وحتى في حال انكشاف شهود جدد فلا مشكلة لدينا في هذا المجال، ولكن نتمنى الا تبقى القضية معلّقة لأي سبب كان”.
لا حق مادي ولا معنوي!
واكد “ان حق الطفلة لم يؤخذ بعد، وبالتالي تنفيذ حقها الشرعي لا يزال عالقا، كما لم يصدر حكم نهائي من محكمة الجنايات والحق المادي لم يحصّل ايضا. فوالد الطفلة وأهله دفعوا أموالا طائلة للطبيبين الشرعيين والفحوصات الطبية والتشريح وصور “السكانر”، لكن الموضوع المادي لا يعنينا كثيرا بقدر ما يهمنا ان يسلك الملف المسار الصحيح والسليم، ونريد ان ينال الفاعل والمسبب والمتستر العقاب العادل، ولسنا ضد ان يأخذ الملف الوقت المطلوب وان يُدرس بجدية، ولكن اعتقد ان 6 أشهر كافية لإصدار الحكم النهائي في هذه القضية البشعة”.
لبنان وعقوبة الإعدام
في الخلاصة، منذ العام 2004 الى الوقت الحالي لم تنفذ اي عقوبة اعدام في لبنان، والحكومات اللبنانية المتعاقبة انتهجت منذ عدة سنوات منحى يرمي الى عدم تنفيذ الأحكام التي تلحظ عقوبة الاعدام، والعمل بما يسمى Moratorium أي وقف العمل، ولكن هل تعيد قضية لين طالب تفعيل هذا الحكم في لبنان؟