مقالات
رئيس.. طبقاً لمواصفات “تفاهم نيسان”؟

ما يسري على الجنوب، يسري على ما تبقى من وحدة أرض، وشعب، ومؤسسات في لبنان الفراغ.
ما يجري تطبيقه في الجنوب، ليس وقفا لإطلاق النار ببنوده الـ13، والذي أبصر النور فجر 27 تشرين الثاني الماضي. ما يطبّق هو إتفاق 13 نيسان 1996 بأبعاده، ومراميه. ذاكرة الدول، كذاكرة الفيلة، تغفو وتستيقظ طبقاً للتطورات، لكنّها لا تضلّ الطريق، ولا تخطىء الهدف.
أحوال كثيرة تغيّرت منذ نيسان 1996، لغاية الآن. إنهارت أنظمة. حصلت ثورات وإنقلابات. غابت وجوه ومناكب. وشلّع الزمن الكثير من دفاتر الحسابات والمراهنات. وبقي من الثوابت ثلاثة: شرق أوسط جديد بزغ فجره مع مطلع هذه الألفيّة، وبعد سقوط البرجين في نيويورك. ودعم أميركي مطلق “للعصر الإسرائيلي”. وإعصار جائر يدهم المنطقة، ويمعن في تغيير معالم دول، وأنظمة، ويدفع ببعضها لإمتلاك الغبار النووي.
هناك أوجه شبه كثيرة بين بنود “تفاهم نيسان”، و”تفاهم تشرين”، إن لجهة رعاية الولايات المتحدة للتفاهمين، أو لجهة إلتزام “المجموعات المسلّحة في لبنان” بعدم القيام بهجمات صواريخ، أو أي نوع آخر من السلاح إلى داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي، مقابل إلتزام الأخيرة، والمتعاونين معها، بعدم إطلاق أي نوع من السلاح على المدنيّين، أو الأهداف المدنيّة في لبنان. أو لجهة الإقرار بحق الدفاع عن النفس “بدون خرق هذا التفاهم، لا يوجد ما يمنع أي طرف من ممارسة حق الدفاع عن النفس”! أو ما يتعلّق بالهيئة المشرفة على التنفيذ، وقد كانت خماسيّة، وبرئاسة الولايات المتحدة، وعضوية فرنسا، ولبنان، وسوريا، وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
حافظت الخماسيّة على حجمها، لرعاية تنفيذ إتفاق 27 تشرين الماضي، مع تعديل في بنيتها، بعدما خرجت سوريا، لتحلّ مكانها الأمم المتحدة، لكن مع تعويل لبناني مطلق على دور واشنطن في التقرير، والتدبير، وإستلهام المصير.
وتمثّل الخروقات الإسرائيليّة العبوة الناسفة لقرار وقف النار، وهي محشوة بمواد الفقرة الملحقة بتفاهم نيسان، والتي نصّت في حينه على “تفهّم الولايات المتحدة أهميّة تحقيق سلام شامل في المنطقة. ومن أجل هذه الغاية تقترح الولايات المتحدة إستئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، وبين لبنان وإسرائيل في وقت يتفق عليه، بهدف التوصل إلى سلام شامل. تفهم الولايات المتحدة أنه من المرغوب به أن تجري المفاوضات في جوّ من الهدوء والإستقرار”.
ما تقترفه “إسرائيل” في الجنوب يتعارض مع مواصفات تفاهم 27 تشرين، ويتخطّى رمزيّة “وادي الحجير”، ليرسم معادلة جديدة حدّها الأدنى “الإمتثال”، والأقصى أن يكون لبنان جزءاً من المحور “الإبراهيمي”.
ويبقى التعويل الرسمي المحلّي،على همّة وصدقيّة آموس هوكشتاين، للحفاظ على ما تبقّى من ماء وجه، في ظلّ العجز المريع، وربما من باب ذر الرماد في العيون للهروب إلى الأمام.
وما يجري من خروقات، لا هو نزوة، ولا فلتان، ولا حتى بفوضى عارمة تفتعلها الآلة العسكريّة الإسرائيليّة من دون ضوابط، متفلّتة من كل الروادع والموانع. ما يجري، إنما ضمن حدود متفق عليها بين الأميركيّين، والإسرائيلييّن، من معالمها:
• التغيير الذي حصل في سوريا، والذي ينبىء بنقل النظام من موقع إلى آخر. ومن واقع إستراتيجي إلى واقع آخر مختلف.
أقل الرهانات المتداولة أن يأخذ “قانون قيصر” سوريا بإتجاه “القانون الإبراهيمي” قبل أن تفكر إدارة الرئيس دونالد ترامب برفع العقوبات…
• إن العلاقات اللبنانيّة ـ السوريّة لن تكون نديّة إلاّ بالمقدار الذي تسمح به الإستراتيجيّة الأميركيّة ـ الإسرائيليّة ضمن المواصفات الموضوعة للشرق الأوسط الجديد.
• إن ما يجري في الجنوب هو موضع تباين كبير في وجهات النظر. بيروت تصفه بالخروقات، فيما تل أبيب تصفه بالحياكة المتأنيّة للعباءة التي سترتديها العلاقات على ضفتي الحدود مستقبلاً.
تعتبر الولايات المتحدة، ومعها “إسرائيل”، أن طريق تنفيذ القرار 1701 سيقود حتما إلى سلام ثابت ودائم. فيما حكومة بيروت تعتبر أن طريق تنفيذه تنتهي عند حدود وقف النار، لأمد طويل.
• لا ترى الإدارة الأميركيّة أيّ خطر يتهدّد إتفاق وقف إطلاق النار رغم الخروقات والتجاوزات التي تهزّ إستقراره. وترى أن إستمراره يحظى بضمانة أميركيّة ـ أمميّة ـ دوليّة، وأن ما يصيبه من إرتجاج لا يوقعه، ويبقى ضمن الضوابط المحكمة، والهادفة إلى تحقيق نقلة نوعيّة لا بدّ أن يقدم عليها لبنان عاجلاً أم آجلاً. فيما ترى تل أبيب أن للخروقات هدفين، الأول: “إعداد” الجنوب ميدانيّاً لتقبل الواقع الجديد الذي يفترض أن يكون عليه قبل السماح بإطلاق ورشة إعادة البناء والإعمار. والثاني: إستفزاز المقاومة، وحملها على القيام بخرق، تتخذه “إسرائيل” ذريعة للقيام بعدوان يهدف إلى توسيع دوائر نفوذها، لضمّها إلى مساحة نفوذها المتزايد في سوريا. ولنقل البلدين معا إلى حديقة 13 نيسان 1996، وإملاء الشروط الملائمة للصعود إلى القطار الأميركي ـ الإسرائيلي المتجه نحو المحطة “الإبراهيميّة”.
• إن ما يجري من تحولات كبرى، سواء في لبنان أو في سوريا، أو دول أخرى في المنطقة، إنما يتزامن مع إنتقال الرئيس دونالد ترامب من برجه القريب من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إلى موقع القرار في البيت الأبيض، ووفق خريطة طريق مؤدية إلى بنك أهداف مطلوب تحقيقها من دون مشاكسة.
والمطلوب من لبنان إنتخاب رئيس وفق الموصفات التي وردت سابقاً في تفاهم نيسان، ولاحقاً وفق ملحقات تفاهم 27 تشرين!
| جورج علم |
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



