كتبت صحيفة “البناء” تقول: اليوم الخمسون للحرب كان هو يوم بدء تطبيق الهدنة وتنفيذ صفقة تبادل الأسرى، وكان مناسبة لفحص نتائج هذه الجولة التي ترتب على العجز عن مواصلتها قبول الاحتلال بالهدنة والتبادل.
وقد راقب المتابعون لنتائج الحرب عدة وجهات وجبهات، أهمها موقف أهالي غزة بعد دخول الهدنة حيّز التنفيذ وظهور حجم الدمار الكبير الذي لحق بكل شيء في غزة. وكانت النتيجة تجديد المبايعة لقيادة المقاومة للمضي قدماً في خيارها، وتنديداً عالي الصوت بالاحتلال وجرائمه وإصراراً على التمسك بالأرض والهوية والقضية حتى لو كان الثمن الموت تحت ركام المنازل، دون طعام او شراب او كهرباء او دواء.
الأسرى المحرّرون كانوا بعزيمة ويقين يتحدثون عن خيار المقاومة، ويقرأون هزيمة جيش الاحتلال في غزة بعد هزيمته أمام المقاومة في طوفان الأقصى، بشائر اقتراب النصر الكبير بتحرير الأرض الفلسطينية وسقوط كيان الاحتلال، ولم تخلُ كلمات الأسيرات المحررات من خطاب التحية لشهداء غزة وقيادة القسام. موازين القوى الراجحة لصالح المقاومة في مواقف الشعب في غزة والأسيرات المحررات، أكدتها المواقف داخل الكيان، بما حملت من تشكيك بنتائج الحرب وسط تساؤلات عن مبرر التبادل والهدنة إذا كانت الحرب قد نجحت في تحقيق أهدافها؟
الهدنة التي بدأ تطبيقها أمس، شملت عملياً جبهة لبنان مع التزام المقاومة بعدم المبادرة لإطلاق النار إلا رداً على اعتداءات جيش الاحتلال الذي التزم بالتهدئة بخلاف تصريحات قادته عن عدم شمول الهدنة جبهة لبنان، كما شملت الهدنة جبهة استهداف القواعد الأميركية وفقاً لمعادلة معلنة من جانب قوى المقاومة بأن وقف العدوان على غزة وحده يتكفل بوقف الهجمات على القواعد الأميركية، بينما حافظ اليمن على مقاربة خاصة تتصل باعتبار البحر الأحمر ضمن أمنه الاستراتيجي والحيوي، وربط مصير العمليات البحرية بوضوح صورة الأمن في البحر الأحمر، حيث أرسل الأميركيون البوارج وحاملات الطائرات بزعم مسؤوليتهم عن أمن الملاحة والممرات المائية.
الرئيس الفرنسي الذي سجل عدم إطلاق أي من الأسرى الفرنسيين في أول أيام التبادل وتمنى أن يحدث ذلك قريباً، متعهداً بالعمل على الإفراج عن هؤلاء الأسرى الفرنسيين، أعاد إحياء المطالبات اللبنانية والعربية لقيادة القسام لوضع قضية الإفراج عن المقاوم جورج عبدالله الأسير في السجون الفرنسية رغم نهاية مدة محكوميته القانونية بطلب إسرائيلي مقابل الإفراج عن الأسرى الفرنسيين.
وانسحبت الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، على الجبهة الجنوبية التي شهدت هدوءاً تاماً بعد 48 يوماً من العمليات الحربية على جانبي الحدود بين المقاومة في لبنان وجيش الاحتلال، إذ لم يُسجل أي خرق على طول الجبهة في ظل التزام جميع الأطراف.
واقتنص أهالي البلدات الحدودية في الجنوب فرصة الهدنة للعودة الى قراهم لتفقد منازلهم وأرزاقهم وحقولهم الزراعية بعد تعرّضها للقصف الإسرائيلي، وشهدت مداخل الجنوب أمس، زحمة سير خانقة نتيجة توجّه أهالي القرى الحدودية في الجنوب إلى قراهم.
ودعت قيادة الجيش في بيان، المواطنين العائدين إلى اتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر من مخلفات القصف المعادي ولا سيما الذخائر الفسفورية والذخائر غير المنفجرة، وعدم الاقتراب منها وإفادة أقرب مركز عسكري عنها أو الاتصال بعمليات القيادة على الرقم ١٧٠١.
كما دعت إلى الالتزام بإجراءات الوقاية المعمّمة من قبل الجيش في هذا الخصوص.
من جانبه، عبر رئيس بعثة “اليونيفيل” وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو “عن قلقه إزاء تبادل إطلاق النار المكثّف المستمرّ على طول الخط الأزرق الذي أودى بحياة الكثير من الناس، وتسبّب في أضرار جسيمة، ويهدد أرزاق الناس”.
وتابع: “باعتبارنا حفظة سلام، فإننا نحثّ أولئك الذين يتبادلون إطلاق النار على طول الخط الأزرق على وقف دائرة العنف هذه”، مضيفاً “أن أي تصعيد إضافي في جنوب لبنان يمكن أن تكون له عواقب مدمّرة”.
وقال “يجب على الأطراف أن تؤكد من جديد التزامها بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 ووقف الأعمال العدائية، بينما تسعى إلى إيجاد حلول طويلة الأمد لمعالجة الأسباب الكامنة وراء النزاع”.
الى ذلك، قال وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب بعد لقائه الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزف بوريل: “وجهت دعوة للسيد بوريل لزيارة لبنان في أقرب فرصة ممكنة، وشكرته على خطابه بالامس أمام البرلمان الاوروبي ومقاربته السياسية لغزة”.
أضاف “اذا ارادت “اسرائيل” وقف التصعيد فعليها وقف الحرب، والسماح بعودة الفلسطينيين الى شمال غزة، ووقف تهديداتها للبنان”.
وأشارت مصادر مطلعة على الوضع الحدودي لـ”البناء” الى أن “الهدوء خيّم على كامل الخط الأزرق في اليوم الأول للهدنة في قطاع غزة، حيث لوحظ أن جيش الاحتلال أوقف قصفه للقرى الحدودية قبل سريان الهدنة بدقائق، ما يؤكد رضوخ الاحتلال الإسرائيلي للهدنة وتهيبه من رد فعل المقاومة إزاء أي اعتداء على لبنان”. وشددت المصادر على أن “حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية في لبنان ملتزمة باتفاق الهدنة ومتعاونة على هذا الإطار لتسهيل تبادل الأسرى وإدخال قوافل المساعدات الإنسانية لسكان غزة، لكن أيّ خرق للهدنة من قبل الاحتلال الإسرائيلي سيدفع المقاومة للرد بحزم”.
وعن المسار الذي ستسلكه الجبهة الجنوبية بعد نهاية الهدنة الثلاثاء المقبل، أكدت المصادر أن الأمر سيبقى مرهوناً بمجريات الميدان في غزة، فإذا استأنف جيش الاحتلال عدوانه على غزة، فإن حزب الله سيعود الى إشعال الجبهة بشكل أعنف من قبل ولن يتوقف قبل توقف الحرب على غزة، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الجبهات في اليمن والعراق والجولان.
وأكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في كلمة له في احتفال للحزب، أننا “في لبنان قررنا أن نساند غزة من خلال جبهة الجنوب، وقدمنا عشرات الشهداء والتضحيات وحققنا الإصابات الكثيرة في العدو فضلاً عن تهجير قرابة الـ 70 ألف مستوطن واستقدام قرابة الـ 100 ألف جندي إسرائيلي ليقفوا على الحدود، و50% من قدرة الطيران الإسرائيلي.. كل هذا يخفّف عن غزة ويؤثر في مسار المعركة مستقبلاً إذا استمرت”.
وأشار قاسم إلى أنه “شاهد بعض الشعارات على الطريق تقول “لا نريد الحرب”، وأردف “صحيح، نحن لا نريد الحرب، ولكن لا نقبل الاستسلام، فإذا تبين أن خوض الحرب بالمقاومة تدفع عنا أخطار إسرائيل وتحرّر الأرض وتجعلنا قوة حقيقية في المنطقة سنكون مع هذه الحرب التي تعيد للبنان والمنطقة الاستقلال والكرامة حتى لا تبقى “إسرائيل” فزاعة تخيف اللبنانيين”.
وقال: “إذا أردنا أن نجري تقييمًا لما حصل في غزة وبعد 49 يومًا تقرّر أن تكون هناك هدنة مؤقتة قابلة للتمديد، حيث لم يصل الإسرائيلي إلى الهدنة إلا غصباً عنه لأنه رفع شعار تحرير المحتجزين من خلال العملية البرية، وتبين أنه لم يحرّر أي محتجز بالعملية البرية، لا بل هناك قرابة الـ 60 منهم قتلوا بسبب العملية البرية”.
إلى ذلك، واصل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد تلقي الاتصالات واستقبال الوفود السياسية والشعبية المعزية باستشهاد نجله القيادي في فرقة الرضوان عباس رعد “سراج” في بلدته جباع، أشار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إلى أنّه “بين غزة وجنوب لبنان تُكتب بالدم ملاحم بطولة. يكتبها المقاومون بالسلاح والإعلاميون بالصورة والصوت والكلمة”. وأوضح باسيل أنّ “في جنوب لبنان استشهد عصام العبدالله وهو يحمي رفاقه وقدم مثالًا للتضحية للغير، فرح عمر وربيع المعماري وحسين عقيل استشهادهم أعطى مثالًا للشهادة بالشجاعة. وآخر شهادة قدوة هي لعباس محمد رعد (نجل النائب محمد رعد) التي تُظهر لنا كيف يُضحّي المسؤول بأبنائه من أجل قضية وطنه وأن يستشهدوا لكي نبقى».
فيما أجرى قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون اتصالاً برئيس مجلس إدارة شبكة “الميادين” غسان بن جدو معزياً بشهداء “الميادين”. وأكد العماد عون “تضامن الجيش اللبناني مع الميادين وشهدائها ومع جميع الصحافيين العاملين في الميدان”. بدوره شكر بن جدو قيادة الجيش اللبناني على موقفها وعلى التحقيق الميدانيّ الذي قامت به، لافتاً الى أن “تحقيق الجيش اللبناني أثبت مسؤولية الجيش الإسرائيلي في جريمة استهداف الزملاء الشهداء”.
في غضون ذلك، لم يسجل ملف أزمة الفراغ في قيادة الجيش أي تطور، وسط انتظار قاتل يسابق الوقت المتبقي لنهاية ولاية قائد الجيش، وعلمت “البناء” أن الخلاف بين الرئيس عون والنائب باسيل من جهة، وبين رئيس القوات سمير جعجع والبطريرك الماروني بشارة الراعي، حول التمديد للقائد الحالي، يُعيق مختلف الحلول للأزمة، حيث إن حزب الله يتريث بحسم موقفه النهائي وأبلغ المعنيين أنه يوافق على أي حل توافقي، فيما رئيس مجلس النواب نبيه بري ينتظر التوافق المسيحي لكي يدعو الى جلسة تشريعية للمجلس النيابي، فيما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لن يقدم على أي خطوة قبل نضوج الحل السياسي التوافقي، بخاصة أن تأجيل التسريح لقائد الجيش في مجلس الوزراء من دون توقيع وزير الدفاع يعرّضه للطعن أمام مجلس شورى الدولة، وقد أكد التيار الوطني الحر أنه سيطعن بأي قرار أو مرسوم مخالف للقانون. فيما أشارت أوساط التيار الوطني الحر لـ”البناء” أن “النائب باسيل يرفض رفضاً قاطعاً التمديد للعماد عون ولن يسمح بتمريره وأي فتاوى بهذا الشأن ساقطة قانوناً”. فيما تشير مصادر مطلعة سياسية لـ”البناء” الى أن انسداد أفق الحلول سيؤثر على وحدة المؤسسة العسكرية وسير عملها، مستبعدة خيار التمديد الذي تحول دونه عقبات عدة، علماً أن البطريرك الماروني ورئيس القوات يعارضان خيار التعيين في ظل الفراغ الرئاسي.
ونقل زوار رئيس المجلس نبيه بري عنه لـ”البناء” استعداده للدعوة الى “جلسة تشريعية للمجلس لكن شرط حضور الكتل النيابية كامل الجلسة بجدول أعمالها المتعدّد البنود ومن ضمنه رفع سن التقاعد للعسكريين، إذ لا يمكن فرض الانتقائية في جدول الأعمال على مجلس النواب، أو عقد جلسة لبند معين”. إلا أن أوساطاً مطلعة استبعدت لـ”البناء” حضور كتلة القوات اللبنانية الجلسة بجدول أعمال كامل، وبحال حضرت فلن تتأمن أغلبية نيابية لتمرير بند رفع سن التقاعد لوجود خلاف عليه لإصرار كتل نيابية على شموله كل المواقع العسكرية والأمنية وليس فقط في قيادة الجيش.
كما نقلت مصادر عين التينة لـ”البناء” استعداد الرئيس بري لإعادة إحياء المشاورات الرئاسية لانتخاب رئيس للجمهورية في ضوء الكلام الدبلوماسي الفرنسي والقطري والحراك المتوقع باتجاه لبنان على هذا الصعيد لمبعوث الرئيس الفرنسي الى لبنان جان إيف لودريان الذي قد يزور لبنان قبل رأس السنة المقبلة.
وعلمت “البناء” أن حراكاً يدور في الكواليس السياسية حول الملف الرئاسي، لكنه حراك خجول ولم يرقَ الى مستوى المبادرات، والأمر ينتظر اللاعبين الخارجيين للعودة الى لبنان لجس نبض المسؤولين تجاه الحل التوافقي لانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة، في ظل نصائح خارجية للبنان بضرورة تحصين الساحة اللبنانية بانتخاب رئيس وتأليف حكومة جديدة وملء الفراغ في المناصب الأمنية والعسكرية والنقدية لا سيما في قيادة الجيش ورئاسة الأركان تحسباً لتمدّد وتوسع الحرب في غزة والحدود اللبنانية الى كل لبنان، بعد نهاية الهدنة في غزة.
ولفت إعلان المكتب الإعلامي لرئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجية، في بيان، عن “اتصال هاتفي جرى بين الممثّل الخاص لرئيس الاتحاد الرّوسي لشؤون الشّرق الأوسط ودول أفريقيا نائب وزير الخارجيّة الرّوسيّة ميخائيل بوغدانوف، وفرنجيّة، تمّ خلاله تبادل مفصّل لوجهات النّظر حول تطوّر الوضع في لبنان والجوار، لا سيّما في الجنوب وقطاع غزة، وخطورة الوضع في حال التّمدّد والتّصعيد”.
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أنّ “محادثة هاتفيّة جرت بين الممثّل الخاص لرئيس الاتحاد الرّوسي لشؤون الشّرق الأوسط ودول أفريقيا نائب وزير الخارجيّة الرّوسيّة ميخائيل بوغدانوف، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي”.
وأشارت في بيان، إلى أنّ “خلال المحادثة، تمّت مناقشة القضايا الرّاهنة المتعلّقة بمواصلة التّطوير التّدريجي للعلاقات الرّوسيّة – اللّبنانيّة الودّيّة التّقليديّة، بما في ذلك الحفاظ على الحوار السّياسي المنتظم. كما تمّ التّطرّق إلى الوضع النّاشئ في الشرق الأوسط؛ مع التّركيز على الأحداث في قطاع غزة وجنوب لبنان”.
ولفت الوزارة إلى أنّ “في الوقت نفسه، أكّد الجانب الرّوسي موقفه الثّابت الدّاعم لوحدة الجمهوريّة اللّبنانيّة وسلامتها الإقليميّة وسيادتها، وعدم جواز امتداد التّصعيد المسلّح في منطقة الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الأراضي اللّبنانيّة”.