كتبت صحيفة “النهار”: بدت الأيام الأخيرة التي أعقبت “عاصفة الغموض” التي اكتنفت الازمة الرئاسية مع “انقطاع” المعطيات الدقيقة، غير “التسويقية”، عن مصير الوساطة الفرنسية وتقدم الوساطة القطرية وكل ما ينسج محليا حول مآل الازمة، اشبه بعملية ترويج استهلاكية على الأرجح لموجة جديدة من ذر الرماد في العيون وتضييع الرأي العام مجددا حيال كل ما يتصل بالازمة المديدة.
فعند مشارف سنة كاملة على الفراغ الرئاسي يمكن رسم معالم الصورة الواسعة للازمة بانها بدأت منذ الاخفاق المحقق لاجتماع المجموعة الخماسية في نيويورك وعدم صدور موقف علني موحد عنها بالعودة الى المربع الأول ليس من باب تخلي هذا الفريق او ذاك عن مرشحه فقط ، وليس من باب عقم الجدل المتصاعد حول الحوار فحسب، بل لجهة استعادة أنماط حرق أسماء وتعويم أسماء والتلاعب بالاسماء بعيدا تماما عن كل الأصول الجادة التي كانت تفترضها عملية دستورية وفق الأصول.
ما جرى منذ أيام ان موجة جديدة من التسريبات ضجت بها الأوساط الإعلامية والسياسية وعزيت الى الموفد القطري “الاولي” الذي يمهد لجولة “رسمية” لوزير الخارجية القطري في الأيام المقبلة وتناولت أسماء ثلاثة ومن ثم سواها وبدأت مجددا بورصة الأسماء “الطائرة” تتطاير في فضاء الازمة على قاعدة ان القطريين يروجون لمرشحهم الأساسي قائد الجيش العماد جوزف عون ولكن مع تلطيف وتنويع بإضافة أسمين ومن ثم تطور الامر في الساعات الأخيرة وراحت الأوساط المحلية تتداول بورصة أوسع من اطار “قدامى المرشحين” الذين انتظروا “احتراق” مرشح الثنائي الشيعي ومرشح المعارضة بما يعني ان “موجة احراق” جديدة قد تكون بدأت .
والمعطيات التي سربت من أوساط قريبة من الثنائي الشيعي بدت لافتة لجهة الإيحاء ان طرفي الثنائي لم يكونا ايجابيين مع عناوين التحرك القطري. وجرى الزعم بان الموفد القطري الذي التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن ثم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ابلغ اليهما السعي الى توافق على مرشح ثالث ولكن كلا من بري ورعد ابلغاه بتمسك الثنائي بترشيح سليمان فرنجية، وهو الامر الذي يستشف منه ان الثنائي قد ينتظر وصول الموفد الرسمي القطري لاحقا وانه لن يسلم بسهولة “بنهاية” المبادرة الفرنسية لمصلحة ترخيم المبادرة القطرية.
ويثير المناخ الذي يحاط به التحرك القطري تساؤلات واسعة عما اذا كانت قطر ستنجح حيث أخفقت فرنسا خصوصا ان جهات سياسية جادة شككت بعمق بالتوظيف الداخلي للتحرك القطري لكي ينسب اليه ما قد يصح ولا يصح علما ان هذه الجهات تمتلك معلومات جانحة بشدة نحو مزيد من التأزم في الملف الرئاسي بدليل الاحتدام الذي عاد يتصاعد بقوة بين افرقاء الداخل حيال مجمل الازمة وتداعياتها وهي تجزم بان موضوع الحوار “انتهى” ولن يكون متاحا اطلاقا ما دامت المعطيات التي حالت دون تحقيقه تتفاقم باطراد .
واشنطن
وبرز كلام للمتحدث الاقليمي باسم الخارجية الأميركية سامويل ويربيرغ أوضح فيه أن “اجتماع اللجنة الخماسية كان من أهم الاجتماعات المرتبطة بشؤون الشرق الاوسط، ولا أريد أن أدخل في تفاصيله، لكنها كانت فرصة مهمة أن نجتمع مع حلفاء وشركاء أميركا لمناقشة أهمية العملية السياسية في لبنان وأهمية تشكيل حكومة” جازماً بأنه “لا خلاف بين الأطراف المجتمعة لأننا نتفق على ضرورة المضي بالاصلاحات الاقتصادية المطلوبة”.
وعن تحديد الولايات المتحدة مدة زمنية معينة للانتخابات الرئاسية في لبنان، نفى ويربيرج في حديث لـمحطة “الجديد” ما يتم تداوله، معتبراً ذلك محاولة للتشويش على الموقف الأميركي الرامي إلى اختيار لبنان رئيسه وتشكيل حكومة في الوقت المناسب للبنانيين، وأضاف: “نحن نحث كل الأطراف اللبنانية على الاسراع بإنجاز هذا الاستحقاق لكن لا صحة لكل هذه الأكاذيب”.
وفي ما خص دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري للحوار، لفت المتحدث الاقليمي إلى استعداد أميركا لتقديم أي مساعدة تقنية أو فنية لازمة، متابعاً: “لا يحق لأي بلدٍ أن يفرض إرادته على المكونات السياسية اللبنانية كافة، وسنبقى على تواصل مع كل الاطراف، في إشارة إلى لقاء سفيرتنا في بيروت دوروثي شيا ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ونقاشهما في هذه المواضيع”.
إلى ذلك، استنكر ويربيرج استهداف السفارة الأميركية في بيروت قائلاً: “ندين بشدة عملية إطلاق النار وشيا أبلغت ميقاتي عن ثقتنا بالجهات الأمنية اللبنانية من حيث متابعة ملابسات هذا الفعل، ونحن بانتظار نتيجة التحقيق، ولا تخوّف من الأمن في بيروت ونتخذ كل الاجراءات اللازمة لحماية أنفسنا ونتواصل عن كثب مع الجهات الامنية منعاً لتكرار مثل هذه الحادثة”.
الموقف السعودي
وشكل احياء العيد الوطني السعودي مناسبة لاعادة بلورة وتثبيت الموقف السعودي المبدئي على لسان السفير وليد بخاري واساسه استعجال انهاء الفراغ الرئاسي والتشديد على ان الحلول المستدامة لا تاتي الا من داخل لبنان وليس من خارجه بما يثبت سيادية هذا الاستحقاق .
وكان بخاري اكد “اننا نتقاسم مسؤولية دولية مشتركة للحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته”، وشدد على أنّ “الفراغ الرئاسي يبعث على القلق البالغ ويُهدّد تحقيق الإصلاحات المنشودة والملحّة”. وقال “أنّ الحلول المستدامة تأتي فقط من داخل لبنان وليس من خارجه والاستحقاق الرئاسي شأن لبناني داخلي”، مضيفاً: “نحن على ثقة أنّ اللبنانيين قادرون على تحمّل مسؤوليتهم وإنجاز الاستحقاق”. وأشار إلى أنّ “الموقف السعودي في طليعة المواقف الدولية التي تُشدّد على ضرورة الإسراع على انتخاب رئيس قادر على تحقيق ما يتطلّع إلى الشعب”، مؤكداً أنّه “سنواصل جهودنا المشتركة لحثّ قادة لبنان على انتخاب رئيس”.
قوى “التقاطع”
في أي حال تبين من المواقف التي اطلقها اركان معارضون كما رئيس “التيار الوطني الحر”النائب جبران باسيل ان ما سمي ب”التقاطع” بين المعارضة و”التيار” يبدو لا يزال ساري المفعول ضمنا سواء عبر الموقف المتقارب بينهما رفضا او وضعا للشروط حيال دعوة الرئيس بري الى الحوار او من خلال عدم اعلان أي منهما التخلي عن ترشيح جهاد ازعور الذي سمي ب”مرشح التقاطع” .
وتندرج في هذا السياق سلسلة مواقف برزت امس اذ ان النائب باسيل وخلال الجولة التي قام بها مع الرئيس السابق العماد ميشال عون على بعض بلدات عكار اعلن ان “التيّار لا يمكن ان يكون ضد الحوار المجدي والجدّي، ولكن التيّار حريص على نجاح الحوار.
ونحن لم نضع شروطا ولكن حدّدنا الظروف التي تؤدي الى نجاح الحوار اي الى انتخاب رئيس وفق برنامج، لأن البرنامج هو اهم من الشخص في هذه الظروف. واذا التيّار ابدى الايجابية والاستعداد، فيجب ان يكون الجواب بالمرونة وليس بالفرض، لأنّه ثبت ان الفرض لا ينجح معنا”.
في المقابل استبعد رئيس حزب “القوات اللبنانية ” سمير جعجع إمكان إجراء انتخابات رئاسية في الوقت القريب “رغم المساعي السعودية والقطرية لان “دود الخل منو وفيه” في إشارة الى التعطيل اللبناني الداخلي.
وعن مجازفته الأمنية عبر مشاركته شخصيا في احتفال العيد الوطني السعودي الـ93 في مكان عام وهل كانت مشاركته رسالة الى احد أجاب جعجع ” مش لحدا زيارتي هي لتهنئة أصدقائي باليوم الوطني السعودي”.
بدوره عزا رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل فشل كل الوساطات الى “أن حزب الله نسف مبدأ انتخاب الرئيس مع جميع الآليات والمهل الدستورية عبر تعطيل النصاب ورفض الرئيس بري الدعوة لجلسات انتخاب مفتوحة إلا إذا كان ضامناً وصول مرشحه للرئاسة .
ثانياً، لأنه عندما يراد انتخاب الرئيس بالتوافق ويكون الاصطفاف حاداً يُبحث عن حل وسط. والجميع قبل بالحل الوسط ما عدا حزب الله الذي يصر على فرض إرادته ولا يقبل التوافق إلا على مرشحه. لكل هذه الاسباب تفشل كل المبادرات”. وختم الجميّل، “آن الاوان أن يفهم أصدقاءنا أنّ لبنان مخطوف وأنّ أيّ مبادرةٍ إنقاذية تبدأ باستعادة الدولة لسيادتها والشعب اللبناني لقراره الحر”.
الرد على الراعي
وفي جانب اخر يعكس واقع التوتر المتصاعد بدا البيان الحاد الذي أصدره المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان على البطريرك الماروني امس بمثابة رد سياسي وديني باسم “الثنائي الشيعي” . وكان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ختم زيارته لأوستراليا بقداس احتفالي حاشد في سيدني لمناسبة اليوبيل الذهبي للابرشية المارونية ومما قال في عظته : “الكنيسة لن تتهاون بشأن كل الأمور السلبية في لبنان.
لن تسكت عنها ولن تمل عن الإلتزام برسالتها بواسطة مؤسساتها. ولن تدع لبنان وشعبه فريسة الظلم والاهمال والإستبداد والإستكبار ولن تصمت عن التنديد بعدم إنتخاب رئيس للجمهورية، وبتعمد تغييب رئيس البلاد المسيحي الوحيد في اسرة جامعة الدول العربية، ومعه تغييب الثقافة المسيحية التي كانت في اساس إنشاء الدولة اللبنانية الموصوفة بميزاتها وأولاها الفصل بين الدين والدولة، والمشاركة المتساوية بين المسيحيين والمسلمين في الحكم والإدارة، التعددية الثقافية والدينية في الوحدة، وحياد لبنان الإيجابي لكي يواصل اداء رسالته الخاصة به في بيئته العربية.
كلها أمور أساسية لن نسكت عن المطالبة بها” وسارع المفتي قبلان الى الرد على الراعي مباشرة معتبرا ان “القضية في لبنان أن بعض المسيحيين لا يريد رئيساً مسيحياً، وما نعيشه منذ تشرين 2019 عبارة عن غزو أميركي طاحن بواجهات مختلفة، ولحظة الغزو ومعارك المصير البلد يحتاج الى كل بنيه، والتضامن والحوار ووحدة الحال ضرورة وطنية إنقاذية”.