قال نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب في اسبوع النائب السابق حسن علوية: “في البداية أتوجّه بأحرّ التعازي من أبناء وأسرة فقيدنا الراحل المرحوم الاستاذ الحاج حسن علوية سائلاً الله تعالى أن يتغمّده بواسع رحمته وأن يسكنه الفسيح من جنانه بشفاعة رسوله رسول الشفاعة المبعوث (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، وفقيدنا الراحل من هؤلاء إن شاء الله، كما قال سيّد الحكماء والبلغاء والاولياء سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب: “إنّما يُستَدَلُّ عَلَى الصّالِحينَ بِما يُجري اللَّهُ لَهُم عَلى ألسُنِ عِبادِهِ ، فَلْيَكُنْ أحَبَّ الذَّخائرِ إلَيكَ ذَخيرَةُ العَمَلِ الصّالِحِ”.
وهو ما حباه الله به من ذكرٍ طيب على ألسنة عباده الصالحين من شهادة بالأخلاق العالية متخلّقاً بأخلاق رسول مدرسة الاخلاق والقيم العالية التي أرساها الانبياء والرسل وأتممها سيدها رسول الله محمد وورثها آل بيته حيث قال رسول الله: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ)، وهي الغاية من بعثة الانبياء في الاخذ بأيدي الناس والارتقاء بهم في مدارج تزكية النفوس والتربية على الصلاح والايمان والتقوى. وقد ورد أنّ رسول الله سُئل عن أفضل الحسنات عند الله فقال: “حُسْنُ الخُلُق، والتواضع، والصبر على البليّة، والرضاء بالقضاء”.
تابع: “فقيدنا الراحل يمتاز بكل هذه المواصفات تواضعاً لله تعالى وصبراً على بلائه ورضا بقضائه وقد ابتُليَ بفقدِ عزيزٍ من أبنائه رحمهما الله تعالى وهي من صفات وتعبيرات لحسن الخلق ومنها سعة الصدر، وقد كان اختار مهنة المحاماة ليس من باب الارتزاق وإنما ليستطيع القيام بواجب الدفاع عن قضايا الناس وخدمتهم فيتسع صدره لمراجعاتهم وما يستلزمه ذلك من صبر وأناة، لأن صاحب الحاجة أرعن كما يقال، والى جانب ذلك كله لم تقتصر خدماته على هذا الجانب الفردي والمحدود، وإنما اتسعت لخدمة وطنه وشعبه والدفاع عن قضاياه سواء في سعيه لاسترجاع هوية أبناء للقرى اللبنانية التي انتُزعت من لبنان وضمّتها حكومتا الاحتلال الإنكليزي والفرنسي إلى الأراضي التي احتلها العدو الصهيوني بتواطؤ من حكومة الاحتلال البريطاني عند إنشاء الكيان الصهيوني الغاصب مما عرَّض أهالي هذه القرى لضياع الهوية وتُركوا وشأنهم دون اهتمام من السلطة التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي وامتد هذا الوضع إلى ما بعد الاستقلال لا تعترف السلطة المركزية بلبنانيتهم تواطأً مع الارادة الخارجية وتآمراً على سكان جنوب لبنان التي تعاملت معها السلطة على أنها من الأطراف، كل ذلك مع عامل العدوان اليومي والمجازر التي يرتكبها العدو بحق القرى وأهلها وما يتعرّض له الجنوب اللبناني من مصير معلوم بإلحاقه بالكيان الغاصب، كل ذلك وشعوراً بالمسؤولية الوطنية ودفاعاً عن أهله دفعه للانضمام إلى حركة الامام القائد السيد موسى الصدر ليكون واحداً من المتقدّمين في هذه المسيرة المباركة التي قلبت الموازين وجعلت اليوم ليس الجنوب فقط وإنما لبنان عصيّاً على العدو التي لم يقتصر فيها على المقاومة السياسية، بل بما سطرته أنامله المباركة ما يدعمها بالقانون وانتزعت منه وبقوة المقاومة وشعبها وبيئتها استقلال لبنان الحقيقي، سبقتها محاولات حثيثة من الامام الصدر قبل أن يتخذ القرار التاريخي بإنشاء المقاومة أن يكون المسؤولون اللبنانيون والقوى السياسية على مستوى المسؤولية الوطنية والوعي التاريخي للأخطار التي تُهدّد ليس الجنوب وحده وإنما الكيان اللبناني برمّته، ولكنها لم تكن إلا صيحة في واد ولم يقتصر جهده على الداخل اللبناني بل تعداه إلى العالم العربي.
ولكنها لم تكن الا صيحة في واد فصَمَّ الجميع آذانهم وأغمضوا عيونهم ولم تُفلح كل مناشداته وصرخاته منبّهاً من هول الكارثة التي كانت ماثلة أمام ناظريه (حافظوا على وطنكم قبل أن تجدوه على مزابل التاريخ)”.
وتابع: “لقد حاول أن تكون المقاومة من ضمن الدولة واقترح على المسؤولين أن يصار إلى تشكيل ما اسماه بأنصار الجيش، فقد كانت مسؤوليته وعبقريّته تدفع به إلى اختراع الوسيلة التي تؤدي مهمة الدفاع عن الوطن دون أن تتسبّب بإشكالية داخلية تحافظ على سيادة الدولة وقوتها لمعرفته بحساسية وتعقيدات الوضع السياسي الداخلي فلا يثير حفيظة أحد، ولكن القوى السياسية آنذاك كما هي اليوم منشغلة بأجنداتها الداخلية الخاصة وصراعاتها التافهة، فأدخلت البلاد في حرب أهلية كارثية وعطّلت عليه الوصول الى تحقيق مشروعه الوطني لإصلاح النظام منعاً مما كان توقعه وكان يخيفه جداً من تحقيق المشروع الغربي التي ينفذه بالشراكة معها العدو الاسرائيلي من تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية يفرض فيها أمراً واقعاً ويكون العدو فيه ضرورة لحماية الكيانات الجديدة من بعضها.
وكانت الحرب الاهلية التفافاً واستباقاً لمنع مشروع الامام الصدر فتهيأت الارضية اللازمة والفرصة الثمينة التي استغلها العدو واجتاح لبنان على مرحلتين التي اتسعت في الثانية لتشمل احتلال عاصمة لبنان بيروت، لذلك حاول إيقاف الحرب بكل وسيلة متوسّلاً بقادة العرب ولكن المؤامرة كانت أقوى، لذلك أجَّل مشروعه الاصلاحي ليتصدى للمؤامرة فأنشأ أفواج المقاومة اللبنانية أمل ليقول للطوائف اللبنانية المخطوفة من بعض زعمائها ان الطوائف اللبنانية ليست عدوة بعضها البعض وإنما العدو الاسرائيلي الطامع في أرضكم ومياهكم وثرواتكم.
كان وسيبقى ضرورياً أن نستعيد هذا التاريخ لنتذكّر ويتذكّر معنا اللبنانيون الضرورات التي دعت إلى إنشاء المقاومة وأهمية الانجازات التي حققتها وكانت للبنان لأنه للأسف مع كل هذه الوقائع والحقائق ما زلنا نسمع نفس النغمة تُطلقها بعض الزعامات الحزبية الطائفية المتوارثة بإسم بعض الطوائف بدعوى الخوف على التوازنات الداخلية معلنة العداء للمقاومة.
ولكني آمل أن يعي اللبنانيون بعد كل ما جرى من التحرير وكيف ان المقاومة لم تحلّ محل الدولة ولم يتعرّض أحد حتى من العملاء الذين ارتكبوا العمالة والقتل والجرائم بحق أهلنا وإخواننا ومواطنينا من كل الطوائف في المناطق التي تحرّرت لم يتعرض أحد لأذى، ومارست الدولة سيادتها وبكل تعاون وتسهيل من المقاومة وبيئتها، وكان دور المقاومة هو دور الرادع للعدو ولم تطلب المقاومة سوى حماية ظهرها من الغدر والطعن في الظهر، خصوصاً وان بعض القوى ما زالت تعلن العداء لها وتجهر به وتفتعل المشكلات وتنصب الأفخاخ للإيقاع بها.
إنّ الاختباء هؤلاء وراء ادعاء التوازنات الطائفية ليس إلا تهرّباً إن أحسنا الظن من إصلاح النظام لأنه يضرّ بمصالحهم التي ورثوها من الشركة العثمانية والامتيازات التي وُهبت لهم وأبقى عليها الاحتلال الفرنسي وأفضل عليها بعض التزيينات والرتوش لإخفاء عيوبها التي كانت السبب الرئيسي في الازمات والحروب المتكررة، فهي أزمة نظام وليست أزمة طوائف وأديان التي يستغلون لتحقيق مصالحهم وليس مصالح الطوائف التي تدفع ثمنها من استقرار أبنائها وحياتهم وثرواتهم، أما هم فرابحون دائماً، لذلك يعطلون اليوم أي حلّ ويمعنون في تخريب مؤسسات الدولة ويستغلون بآلام الناس وأزماتهم المعيشية والاجتماعية”.
وختم الخطيب: “إنّ المطلوب ايها اللبنانيون أن تتحرّروا من الزنازين الطائفية التي يحبسكم فيها بعض زعماء القوى السياسية إلى فضاء الوطن، فالطوائف ليست المشكلة وليست الطائفية هي الحل وإنما كانت السبب في كل ما تعانوه ويتكرر بعد كل تسوية التي لا يمضي عليها أكثر من بضعة اعوام لتعود من جديد، الحل لن يكون الا ببناء دولة المواطنة ودولة المواطنة هي التي تتكفّل حماية المواطنين والطوائف.
وأقول لبعض المستثمرين في دماء أبناء الطوائف: اتقوا الله كفاكم نفخاً في نار الفتن وإثارة للغرائز الطائفية، فالجنون تعدى كل الحدود بهذه الاتهامات والتوصيفات غير ألاخلاقية، وكفى خلقا للذرائع للتهرب من واجبكم الوطني بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية فلا الدعوات الداخلية التي أطلقها دولة رئيس المجلس النيابي ولا مساعي المبعوث الفرنسي استجبتم لها فهل تنتظرون سقوط الهيكل لتصلوا إلى مشروعكم القديم بالتقسيم أو الفدرلة؟ فهو غاية الجنون.
نتمنى أن يُدرك الجميع الا بديل الآن عن التوافق وستعودون إليه فليكن الآن قبل الغد لترتاح أعصاب الناس وتهدأ نفوسهم وتخف آلامهم، فالإرهاب ما زال على الأبواب والعدو مازال متربّصاً ومترصّداً.
أُكرّر أخيراً عزائي للعائلة الكريمة والأبناء الأعزاء الدكتور سامي وإخوانه، أعظم الله لكم الأجر ورحم الله الراحل العزير وحفظ الله الجميع”.