غير مصنف

ماذا يُحضَّر للمنطقة ولبنان؟

طغت تداعيات حادثة كوع الكحالة على ما عداها من أحداث أخرى، وإن كان ما يربط بينها من أسباب ومن نتائج قد يكون واحدًا، وهو غياب الدولة بما تمثّله من رمزية وجودية، مع استمرار تغييب رأس هذه الدولة لأسباب لم تعد خافية على أحد، خصوصًا أن ترابط الأحداث السياسية والأمنية يثبت مرّة بعد مرّة أن ثمة قرارًا في مكان ما بعدم تعافي لبنان وتركه فريسة الهواجس والمخاوف المتلاحقة.

فعلى رغم التطمينات التي تصدر عن المراجع الحكومية المعنية والمستندة إلى تقارير أمنية في شأن الوضع الأمني في مخيم “عين الحلوة”، وما استتبعه من تطورات، سواء في عين ابل والكحالة، فإن الهدوء الحذر، الذي يعيشه سكّان المخيم، قد يكون مؤقتًا إن لم تتم معالجة ذيول الأحداث الأخيرة في شكل جذري ونهائي. وطالما أن الجمر لا يزال تحت الرماد فإن ما جرى لم يكن بريئًا بحسب بعض الأوساط الديبلوماسية، التي تربط هذه التطورات بالوضع الأمني العام في منطقة الشرق الأوسط، التي يبدو أنها تعيش أيامًا صعبة، وكأنها تجلس على فوهة بركان يغلي، وفق ما يُرصَد من تحركات أميركية وإسرائيلية وإيرانية وتركية، فضلًا عن التحذيرات التي تصدر عن بعض الدول العربية والأجنبية حول الوضع الأمني في لبنان، وبالأخص حول الوضع في مخيم “عين الحلوة”.

فالحكومة سعت الى احتواء تداعيات بيانات التحذير هذه، خصوصًا أن الرئيس نجيب ميقاتي يشدّد في أكثر من مناسبة على أن معطيات الأجهزة الأمنية لا تدل على أي وضع أمني استثنائي، وإن كانت حادثة الكحالة قد عكرّت صفوه بعض الشيء.

ويلفت الى أن اللقاءات التي عُقدت بين القيادة الفلسطينية في لبنان ومسؤولين أمنيين لبنانيين توصلت إلى آلية معينة التزم بها الفلسطينيون، ويُعمل على تنفيذها، مع الإصرار على احترام السيادة اللبنانية، وأن لبنان ليس صندوق بريد، مع حرصه الأكيد على معالجة ذيول حادثة الكحالة وعدم استغلالها سياسيًا وأمنيًا.

وعلى رغم البيان التوضيحي الذي أصدره السفير السعودي في لبنان وليد البخاري حول خلفيات بيان المملكة، الذي له علاقة حصرية بما يجري في مخيم “عين الحلوة”، فإن بعض المصادر السياسية وضعت هذا البيان في خانة الموقف السعودي العام مما يجري في المنطقة ومدى تأثيره على الوضع اللبناني الداخلي، إذ أن الرياض وقبل اتفاقها مع إيران برعاية صينية تصرّفت بحيادية ظاهرة على خلفية أنها غير معنية بما يجري في لبنان. لكن بعد الاتفاق السعودي – الإيراني بدأت المملكة تتعاطى مع الأزمة اللبنانية من منظار آخر، خصوصًا أنه كان لها دور مؤثر داخل مجموعة الدول الخمس، بعد تعثرّ التفاهم في اليمن، وتراجع حماستها في إعادة علاقتها مع سوريا إلى سابق عهدها.

 ففي لقاء الدوحة الأخير في 17 تموز الماضي ظهر تشدّد واضح في التعامل مع لبنان، عبر التهديد باتخاذ إجراءات ضد المعرقلين لانتخاب رئيس جديد، إضافة إلى موقف الرياض من المبادرة الفرنسية، إذ بدت أنها غير متحمسة كثيرًا للدور الفرنسي، خصوصًا لجهة دعوة باريس اللبنانيين إلى عقد مؤتمر حواري، يُخشى أن يتحول أداة لضرب اتفاق الطائف ونسفه.

فالتهديدات المتواصلة، التي يطلقها أركان العدو ضد لبنان، بالتزامن مع تزايد العمليات الاستفزازية على الحدود الجنوبية، تشي بأن ثمة أمرًا ما يُخطّط له بهدف توتير الأجواء الأمنية، مع اتخاذ فصائل المقاومة أقصى درجات الحذر وإعلان الاستنفار العام، وذلك تحسبًا لأي مغامرة قد تقدم عليها إسرائيل، في محاولة منها لهروبها من واقعها الداخلي المأزوم إلى المجهول، مع علمها المسبق أن أي مغامرة من هذا النوع ستكون مكلفة وموجعة، وذلك استنادًا إلى التقارير المخابراتية، التي في حوزتها، والتي تتحدّث عن امتلاك “حزب الله” لعشرات الآلاف من الصواريخ الذكية والبعيدة الأمد، والتي يمكنها أن تطال مواقعها الاستراتيجية والحيوية، وهذا ما حذّر منه الأمين العام لـ “الحزب الله” السيد حسن نصرالله أكثر من مرّة.

وعليه، فإن أنظار الجميع شاخصة نحو كل هذه المعطيات، التي لا تطمئن تطوراتها المتفائلين كثيرًا، وتجعلهم يترقبون ما يمكن أن يحدث، وإن كانت المعالجات الآنية في ما يتعلق بالوضع الأمني داخل مخيم “عين الحلوة”، وفي غيره من المناطق التي شهدت بعض التوتر، آيلة إلى حلحلة قريبة، من دون أن يعني ذلك أن الجمر قد همد نهائيًا، لأن الذين يخطّطون لافتعال حوادث أمنية متفرقة، سواء في المنطقة أو في لبنان لن يستكينوا، خصوصًا أن ما يُعرف بـ “الطابور الخامس” بدأ يستعدّ لاستعادة دوره التخريبي.

 اندريه قصاص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى