اخبار اقليمية

سوريا بلا الأسد: السجّان تغيّر والسجن باقٍ

بعد أشهر على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، تتبدد آمال السوريين بولادة عهد جديد، مع تكشف معطيات موثقة تؤكد أن منظومة القمع لم تُفكك، بل أُعيد تشغيلها تحت إدارة جديدة يقودها أحمد الشرع، في مشهد يعيد إنتاج المأساة السورية بأدوات قديمة وأسماء مختلفة.

تحقيق موسّع نشرته وكالة رويترز كشف أن السجون التي شكّلت رموزًا لانتهاكات النظام السابق، وفي مقدمتها سجن المزة العسكري وفرع الخطيب (251)، أُعيد تشغيلها فعليًا، وعادت لاستقبال مئات المعتقلين وسط ظروف احتجاز قاسية تشمل الاكتظاظ، نقص الغذاء والرعاية الصحية، وحرمان المعتقلين من أي مسار قانوني واضح.

ووفق التحقيق، وثّقت الوكالة أسماء 829 معتقلًا منذ تولي السلطة الانتقالية مهامها، مع تأكيد باحثين ومنظمات حقوقية أن العدد الحقيقي يتجاوز ذلك بكثير، في ظل غياب أي سجل رسمي شفاف للمحتجزين أو آلية قضائية مستقلة تراجع أوامر التوقيف.

الأخطر، بحسب رويترز، أن حالات وفاة داخل مراكز الاحتجاز سُجّلت دون إبلاغ عائلات الضحايا إلا بعد دفنهم، ما يشكل انتهاكًا جسيمًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويعيد إلى الأذهان أساليب الإخفاء القسري التي ميّزت عهد الأسد.

كما نقل التحقيق شهادات متطابقة عن ابتزاز مالي ممنهج تتعرض له عائلات المعتقلين، حيث تُطلب مبالغ تتراوح بين مئات الدولارات وعشرات الآلاف مقابل الإفراج أو حتى الحصول على معلومات عن مصير المحتجز، في ممارسة توصف بأنها تجارة مباشرة بالحرية.

وتأتي هذه التطورات في سياق أوسع من الانتهاكات، لا سيما بعد جرائم الساحل السوري التي شهدت عمليات قتل وانتهاكات بحق مدنيين، وثّقتها تقارير حقوقية وأثارت إدانات أممية، ما يعزز القناعة بأن السلطة الجديدة لم تضع حدًا للعنف، بل أعادت توجيهه تحت ذرائع “أمنية”.

ورغم محاولات السلطة الانتقالية تبرير الاعتقالات بأنها تستهدف “فلول النظام السابق” أو “مشتبهين بارتكاب جرائم”، إلا أن غياب التهم الرسمية والمحاكمات العلنية يقوض هذه الرواية، ويضع سلطة أحمد الشرع في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي.

في هذا السياق، يرى مراقبون أن تحول الجولاني إلى أحمد الشرع لم يتجاوز تغيير الاسم والمظهر. فالرجل الذي خرج من رحم تنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام، لم يخرج – بحسب منتقديه – من جلده كقائد أمني عقائدي، بل أعاد إنتاج ذهنية التنظيم والسجن والقوة، مرتديًا هذه المرة بدلة رسمية ومتحدثًا بلغة السياسة.

الأساليب، كما يصفها حقوقيون، بقيت ذاتها: اعتقال تعسفي، قمع، تكميم أفواه، وإدارة الخوف كأداة حكم.

وبينما كانت المرحلة الانتقالية تُسوّق بوصفها قطيعة مع الاستبداد، تكشف الوقائع أنها استبدلت استبدادًا مكشوفًا بآخر مغلف، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل العدالة، والمحاسبة، وإمكانية بناء دولة قانون في سوريا ما بعد الأسد.

رويترز

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى