ليست الطفلة لين طالب وحدها، فقبلها مئات الاطفال تعرضوا الى اعتداء جنسي من قبل وحوش على هيئة بشر. وللاسف لن تكون لين طفلة الستة اعوام، التي تعرضت الى اعتداء جنسي متكرر ونزفت حتى الموت، الضحية الاخيرة طالما ان التمادي في الجريمة مستمر، وبعض القتلة والمجرمين يفرون من العقاب ولا ينالوا القصاص عادلا.
عرّفت الامم المتحدة العنف الجنسي ضد الاطفال على انّه “مجموعة من الأفعال الجنسية الممارسة ضد الطفل، منها، الانتهاك الجنسي للأطفال، وسفاح المحارم، والاغتصاب، والعنف الجنسي في سياق المواعدة/العلاقات الحميمة، والاستغلال الجنسي، والانتهاك الجنسي عبر الإنترنت، والانتهاك الجنسي دون اتصال”.
وفي تقرير لها تحت عنوان “بدايات مظاهر العنف” الذي صدر في العام 2021، حذرت “اليونيسف”، من “تزايد حالات العنف ضد الأطفال والشباب الذين يتعرّضون للعنف والاستغلال الجسدي أو العاطفي أو الجنسي في لبنان، بحيث تكافح الأسر للتعامل مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد”، مشيرة الى انّه “ما من شيء يبرّر العنف ضد الأطفال، ومن غير المقبول إساءة معاملة الأطفال وارتكاب العنف ضدهم”.
الخوف من الفضيحة
وفي لبنان، يُصدم المجتمع بين كل فترة واخرى بحادثة اغتصاب وحشية في إحدى المناطق، حيث تُروى تفاصيل مؤلمة وروايات بشعة لا يتقبلها العقل، نال فيها مجرم من براءة طفل او طفلة. وحتما ليست تلك الحوادث التي نسمع عنها، الوحيدة، فغالبا ما تتكتم العائلات عن الإخبار او التقدم بشكوى وملاحقة الفاعل خوفا من الفضيحة، أو لربما لأنّ المغتصب ليس سوى فردا من العائلة، فتبقى هذه الجرائم محصورة خلف الابواب الموصدة بلا حسيب او رقيب، فيدفع الثمن طفل او طفلة لا حول لهما ولا قوة.
ومهما كانت الظروف او الاسباب الاقتصادية والسياسية والامنية التي يتلطى خلفها المجرم لتبرير فعلته، او “الكليشهات” التي تقول إنّه في الأزمات تولد المشاكل والحوادث، الا ان ّهذا النوع تحديدا من الجرائم هو حتما مرض اجرامي يحتاج الى أشد العقوبات كي يرتدع اي شخص تسوّل له نفسه الاعتداء على طفل.
في القانون
وحتما، القانون اللبناني يعاقب المغتصب او المعتدي، وتنص المادة 505 من قانون العقوبات اللبناني على انّه “كل من جامع قاصراً دون الخامسة عشرة من عمره، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تنقص عن خمس سنوات، ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان الولد لم يتم الثانية عشرة من عمره، ومن جامع قاصراً أتمّ الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة عوقب بالحبس من شهرين الى سنتين”.
أما المادة 506، فتنص على أنه إذا جامع قاصراً بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة أحد أصوله شرعياً، كان أو غير شرعي أو أحد أصهاره لجهة الأصول، وكل شخص يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية أو أحد خدم أولئك الأشخاص، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة.
ويُقضى بالعقوبة نفسها إذا كان المجرم موظفاً أو رجل دين أو كان مدير مكتب استخدام أو عاملاً فيه فارتكب الفعل مسيئاً استعمال السلطة أو التسهيلات التي يستمدها من وظيفته.
مجرم ومريض نفسي
وقد تكون هذه العقوبات بنظر كُثر غير كافية للردع، وخصوصا انّ غالبية المغتصبين او المتحرشين لا يتم اصلا معاقبتهم لحاجة الاهل الى “لملمة” القضية لابعاد شبح الفضيحة بحسب اعتباراتهم. ويبقى انّ هذا الشخص الذي قام بالفعل المشين، مجرم ومريض نفسي، يمارس أبشع أنواع انتهاكات حقوق الانسان. ولعلم النفس كلمته في توصيف الحالة المجتمعية للمعتدي على الاطفال.
يشرح الاختصاصي بعلم النفس العيادي حسين حمية في حديث مع “لبنان 24” سمات الشخصية المضطربة سلوكيا التي يملكها المغتصب، ويشير الى انّ الاغتصاب يُعتبر بحسب منظمة الصحة العالمية “أحد أشكال الإعتداء الجنسي، ويعد المغتصب كشخص مضطرب سلوكيا يملك سمات الشخصية السيكوباتية التي تتصف بالإجرام وعدم المبالاة أي فاقد للضمير الأخلاقي والتوازن النفسي، وقد يعد أيضا كشخص سادي ذو ميول إجرامية يستمتع بسيطرته على الآخرين وتألمهم”.
سيكولوجية الاغتصاب
وبحسب حمية فانّ “هذا التوصيف لسيكولوجية الإغتصاب والمغتصب ليس لإعطاء الغطاء لشخص المغتصب أو لإعفائه من ارتكاب الجرم والعقاب، فعلى الرغم من أن للإغتصاب كسلوك خلفية مكتسبة بالتعلم أو مرتبطة بالتنشئة والتجارب السيئة، إلا أن المغتصب لا يمكن اعتباره مسلوب الإرادة ومنقادا قهريا للقيام بسلوك التحرش والإغتصاب، بل نجد في الكثير من الأحيان أن الأمر قد تم عن سابق تخطيط ورصد وتحضير ودراسة لاختيار الضحية وتحيّن الفرص المناسبة للتنفيذ”.
ويتابع حمية: “إنّ التحرش وفي نظرة تحليلية تعود جذورها إلى الطفولة حيث لم يعتد الطفل على مبدأ تأجيل إشباع الرغبات لتصبح في فترة المراهقة والرشد معممة حتى على نشاطه الجنسي، بمعنى أنّه يكفي حصول الإستثارة البصرية لديه، حتى يقوم بفعل التحرش أو الإغتصاب”.
والاصعب بحسب تحليل حمية هو أن “أفضل مسارح التحرش هي تلك الثغرات ونقاط الضعف لدى الضحية، كأن يكون طفلا مهملا متروكا غير متابع من قبل ذويه، أو من هم تحت سطوة المكانة المهنية في أماكن العمل على سبيل المثال، فضلا عن استغلال الأماكن التي يمكن للمجرم أن يستفرد بالضحية من دون وجود أية عوامل دخيلة قد تعيق ارتكاب جرم التحرش والإغتصاب”.
اختيار الاطفال
ولكن لماذا يتم اختيار الاطفال؟ يجيب حمية: “أما عن اختيار الأطفال كموطن لارتكاب الإغتصاب وبعيدا عن الإشارة إلى البيدوفيليا الذي يعتبر كاضطراب نفسي يتميّز بالانجذاب والميول الجنسي للأطفال من كلا الجنسين أو أحدهما، فإن من بين أصل كونهم كضحايا إغتصاب هو كونهم غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم ويصعب عليهم منع حصول وتعرضهم لهذا الفعل، فضلا عن قصور الوعي والإدراك بحسب عمرهم تجاه الفعل الذي يقوم به المتحرش”.
التحرش “اون لاين”
ويلفت حمية النظر الى مسألة مهمة لا تقل خطورة عن الاعتداء الجسدي، وهي التحرش “اون لاين”، ويقول: “للاسف اليوم ومع انشغال الاهل عن اطفالهم لاسباب عدة منها العمل او تركهم في الحضانات او لدى الجيران او الاقارب او المربيات في المنزل، والتصاق الاطفال بالهواتف والوصول الى الانترنت، فهذا ما يأخذنا الى الحديث عن التحرش عن طريق الهواتف والتحرش الجنسي الالكتروني الذي يعرض الاطفال احيانا الى الاستدراج ومن يعلم الى أين قد يصل بهم المطاف”.
وهنا يجب الانتباه الى دور الاهل اولا واخيرا في تجنب تعريض اولادهم الى حوادث مشابهة مهما كان شكلها، ويتحدث حمية عن ضرورة التثقيف الجنسي في اعمار محددة للاطفال والتوعية، “أقله لكي يخبر الاطفال او المراهقين ذويهم في حال تعرضهم الى تحرش او اعتداء مباشر”.