مرّ موسم الزيتون هذا العام مثقلاً بالألم. فمزارعو الجنوب واجهوا تحدّيات كبيرة مع بدء عودتهم إلى أراضيهم. إذ وجد الأهالي معظم الزيتون متساقطاً على الأرض بفعل التلف أو القصف الإسرائيلي، وجزء آخر منه على الأشجار وقد أصابه التلف، هذا فضلاً عن الأراضي التي احترقت بالكامل. أما البعض الآخر فلم يتمكن حتى الساعة من تفقّد أرضه مع استمرار الإنذارات الإسرائيلية بعدم التوجّه إلى بلدات الشريط الحدودي.
الخسائر بعيون الجنوبيين لا تُقدّر حتى الساعة، إذ يعتبرون أن هناك حاجة إلى وقت طويل لمسح الأضرار في قطاع الزيتون الذي أُصيب منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر بخسائر فادحة، في حين سبق وأعلن وزير الزراعة عباس الحاج حسن عن احتراق 65 ألف شجرة زيتون معمّرة في الجنوب، هذا عدا عن الخسائر في القطاع الزراعي ككل، والذي قُدّر بحسب آخر تقرير للبنك الدولي بنحو 124 مليون دولار.
أراضٍ زراعية لا يعرفون عنها شيئاً
الإنذارات الإسرائيلية المتواصلة بعدم التوجّه إلى بلدات الشريط الحدودي منعت عدداً كبيراً من العائلات من تفقّد أراضيها التي خسرتها بالكامل.
فتحدثت كاتيا عودة البالغة من العمر 70 عاماً لـ”النهار” عن خسارتها الكبيرة لمزرعتها وأرضها الزراعية في دير ميماس في الجنوب بعدما احترقت بالكامل إثر الحرب وخسرت معها موسم الزيتون الذي كان يشكّل مصدر رزق أساسياً لها ولعائلتها.
وعبّرت بحزن شديد عن تضرر مزرعتها التي رافقتها طيلة حياتها، وقالت إن “ضيعة دير ميماس تشتهر بالزيت والزيتون منذ آلاف السنين، ولكن الموسم احترق بالكامل. وحتى الساعة لا يمكن للمزارعين تفقّد الأرض. من المؤسف جداً أن تُحرق أراضينا وأملاكنا بلحظات”.
حال كاتيا كحال آلاف الجنوبيين الذين خسروا أراضيهم بعد تعرّض حوالي 18 ألف هكتار للقصف ما أدّى إلى حرق أكثر من 45 ألف شجرة زيتون، بحسب دراسة أعدّتها الدولية للمعلومات، وهذا ما أدّى إلى ارتفاع أسعارها داخلياً.
إذ لم تقتصر الأضرار على المناطق التي شملت الاستهداف الإسرائيلي، بل امتدت إلى مناطق أخرى بسبب انعكاس الحرب غير المباشر.
حركة خجولة في معاصر الزيتون
يقول صاحب المعصرة الأهلية بيتر حج لـ”النهار”، إنَّه “قبل الحرب وفي نفس هذا الوقت بالتحديد، كان لا يمكن الدخول بتاتاً إلى المعصرة بسبب الزحمة في داخلها، أما اليوم فلا يوجد موسم زيتون وبالتالي كمية العصر كانت قليلة جداً”.
وتابع قائلاً إنَّ “الجنوب هو نصف محصول لبنان من الزيتون، وهذا المحصول فُقد اليوم. أما لو كان الموسم في الجنوب صامداً حتى الآن، فكانت تنكة الزيتون تُباع من 100 إلى 120 دولاراً، ولكنها اليوم قفزت فوق الـ150 والـ170 دولاراً وأكثر بحسب المناطق، لندرة حبوب الزيتون”.
ولفت بيتر إلى أن “القدرة الشرائية عند الناس تراجعت، فقليل من الأشخاص لديهم القدرة على شراء تنكة بأكملها بل يشترون بالكيلو فقط”.
ينتج لبنان نحو 20 ألف طن من الزيتون سنوياً، وفي السنوات الأخيرة كان يصدّر منها 5 آلاف طن إلى الخارج، وعلى المستوى الاقتصادي، تبلغ قيمة موسم الزيتون نحو 40 مليون دولار سنوياً، ومناطقياً يمثّل موسم الزيتون في القرى الجنوبية مردوداً يُقدّر بنحو 8 ملايين دولار، ما يعني أن لبنان خسر هذه العائدات، بيد أن المشكلة تكمن في مستقبل الموسم الزراعي في الجنوب، حيث باتت الأراضي غير صالحة للزراعة مجدداً بسبب القنابل الفوسفورية وغيرها من القنابل التي تحتوي على مواد سامة.