إذا اعتبرنا أنّ 17 أيلول 2024، يوم تفجير أجهزة البايجر، هو تاريخ بدء العدوان الصهيوني على لبنان، يصبح ممكناً القول إنّها حرب الأيام السبعين، باعتبار أنّ وقف إطلاق النار دخل حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الماضي.
وهذه خلاصة لافتة أعلنها سماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حين أكد أنّ الانتصار في معركة “أولي البأس” في 2024 يفوق انتصار 2006 لأنّ حرب تموز ـ آب في ذلك العام امتدّت لـ 33 يوماً، ولأنّ المعارك اليوم كانت أشدّ ضراوة وأكثر شراسة، وأيضاً لأنّ جرائم التدمير والتخريب أكبر وطاولت مدناً وبلدات ومناطق كانت مُحيّدة إلى حدّ ما في 2006.
انتهت الحرب بهذا الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة وأهلها وأبطالها وشهداؤها الأبرار وعلى رأسهم سماحة الأمين العام الشهيد الأقدس السيد حسن نصر الله، الذي نستمع دائماً إلى صوته ونسترشد بنصائحه ومواقفه الحاسمة والجازمة، لا سيما ذلك الموقف المُعبّر الذي أعلنه يوم 22 أيلول 2006، أيّ بعد أربعين يوماً من صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي في 12 آب، والذي أدّى إلى وقف الحرب في 14 آب 2006.
والقرار 1701 تحدث عن وقف الأعمال العدائية، لكن العدو الصهيوني راح ينتهك القرار من خلال اعتداءاته المتكرّرة على الأراضي اللبنانية وعلى المواطنين اللبنانيين العائدين إلى قراهم ومدنهم المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، تماماً كما يحصل في هذه الأيام بعد اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك في محاولة لصرف أنظار الرأي العام (وبشكل خاص داخل الكيان المجرم) عن الانتصار الكبير المشهود له من الجميع، سواء في آب 2006 أو في تشرين الثاني 2024، إلا من قبل أولئك المُغرضين الذين لا يرون إلا بعين أحقادهم وغاياتهم وقلوبهم السوداء.
يومها في 22 أيلول 2006 أكد سيدنا الأسمى التزام المقاومة بالقرار 1701 الغير مقدس طبعاً، رغم انتهاكات العدو ضدّ أهلنا وأرضنا، وطالب الحكومة اللبنانية بأن تتخذ القرار السياسي الجريء وتعطي التوجيهات اللازمة للجيش اللبناني وتوفّر له الإمكانيات المطلوبة لكي يتصرّف في مواجهة انتهاكات العدو، والجيش قادر على ذلك بالتأكيد، ولا يجوز تحويل مهمة الجيش لتصبح مثل مهمة “اليونيفيل” واقتصارها على تسجيل الخروقات الصهيونية للقرار 1701.
وفي الوقت نفسه أكد السيد الشهيد أنّ المقاومة جاهزة وقادرة على وضع حدّ لتلك الانتهاكات، وهذا ما حصل بالفعل لاحقاً وتمّت حماية المواطنين اللبنانيين من أيّ اعتداءات، لكن العدو استمرّ في خروقاته للأجواء اللبنانية التي تخطت الـ 35 ألف خرق طيلة 18 عاماً وفق تقارير “اليونيفيل”، وذلك للتجسّس والمراقبة، وكذلك لاستخدامها منطلقاً لتنفيذ الاعتداءات على سورية وجيشها ومواطنيها.
اليوم يتكرّر الأمر نفسه، حيث لم يلتزم العدو الصهيوني بموجبات اتفاق وقف إطلاق النار، وبدأ بخرقه منذ اللحظات الأولى لسريان مفعوله، فيما التزمت به المقاومة بشكل كامل وتامّ، مؤكدة على دعم الجيش اللبناني بشكل مطلق لكي ينفذ المهام الموكلة إليه لا سيما في حفظ أمن وسلامة المواطنين العائدين، وهذا ما يلقى كلّ الدعم من قبل المقاومة كما أكد سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم.
نحن اليوم لا نزال في الأسبوع الأول من تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، لكن العدو الصهيوني يزيد وتيرة الانتهاكات، وهذا الأمر يفرض على الحكومة اللبنانية متابعته مع اللجنة الخماسية المسؤولة عن مراقبة التنفيذ، وقد باشرت اللجنة عملها بالتنسيق مع قيادة الجيش اللبناني، ولا بدّ من انتظار نتائج هذا العمل لبعض الوقت، ولا شكّ أنّ راعي الاتفاق الرئيس نبيه بري سيكون له الموقف المناسب في الوقت الملائم، إذا لم يتمّ وقف الانتهاكات.
وأيضاً في وصايا السيد الشهيد هناك أمانة الشهداء التي تفرض علينا جميعاً المحافظة على ما أنجزه هؤلاء الشهداء، وتطوير هذه الإنجازات والإيجابيات، لذلك لا يمكن التهاون أمام العدو الصهيوني، ولا شكّ أنّ تمادي هذا العدو في انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار سيجد الردّ الرادع في الوقت المناسب…
أحمد بهجة – خبير محاسبة مجاز وباحث في الاقتصاد السياسي