تكنولوجيا

إحذروا الوقوع في فخ “التطبيع الالكتروني”؟!

سارة عليان

أحبطت معركة “طوفان الأقصى” مؤامرة التطبيع مع كيان العدو الصهيوني بكل وجوهها، وأعادت شد انتباه الرأي العام العربي بأسره إلى خطورة هذه المسألة على الأمة، ودورها الكبير في خدمة أهداف العدو وغاياته. وبالحديث عن أشكال التطبيع وأحدث وسائله، فإن الأمر لم يختصر على الجانب السياسي والاقتصادي والثقافي فحسب، بل ثمة وجه آخر لا يقل خطورة عمّا ذُكر، يتمثل بـ”التطبيع الإلكتروني” الذي يشكل اليوم الوسيلة الأكثر سرعة وسهولة وحداثة في الترويج لمفهوم التطبيع ككل.

مفهوم التطبيع الإلكتروني وخطورته

لم يدّخر العدو الصهيوني وسيلة إلا ولجأ اليها للوصول إلى أفكار الشباب والجماهير العربية، وميدان محاولاته مؤخرًا كان الفضاء الإلكتروني والافتراضي بكل أدواته.

في إطار المفهوم، تعرّف الأستاذة هبة علي، عضو حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان، “التطبيع الإلكتروني” بأنه “أي نشاط أو حوار يجمع بين “إسرائيليين” ولبنانيين في العالم الافتراضي”، معتبرةً أن هذا الأمر يمهد لكسر الحاجز النفسي وإعطاء صفة الشرعية للتواصل مع العدو الصهيوني افتراضيًا، وصولًا إلى تطبيق ذلك واقعيًا عبر المواقع والتطبيقات “الإسرائيلية” المنشأ.

وفقًا لعضو الحملة، فإن الخطورة الأكبر في هذا المجال تتجلى في كون هذا النوع من التطبيع يستهدف جميع الفئات العمرية لا سيما فئة الشباب بصفتهم الأكثر استخدامًا لمواقع التواصل الاجتماعي، ما يجعلهم أكثر عرضةً للوقوع في فخ العدو والذي قد يصل إلى حد تجنيدهم.

أمينة سر تجمّع دعم المقاومة ومواجهة التطبيع في الأردن، الأستاذة أماني باسل تشير أيضًا إلى الدعوات المستمرة من قبل التجمّع للتحذير من الاختراقات الإلكترونية لا سيما على صعيد المنصات والتطبيقات التابعة للاحتلال وكذلك كل الأفلام والمسلسلات التي تروج للدعاية الصهيونية أو تلك التي يشارك فيها أحد “الإسرائيليين” بأي شكل من أشكال المشاركة.

وفي الإطار عينه، توضح الأستاذة باسل أنه منذ عدة سنوات تم رصد غرف افتراضية للدردشة، برزت تحديدًا في أثناء جائحة “كورونا”، شارك فيها الكثير من الصهاينة للحديث مع شبان وشابات عرب، وهذا الأمر يندرج بالطبع تحت مبدأ التطبيع الإلكتروني وإن كان من باب محاولات بعض الشباب إبراز وجهات النظر والدفاع عن القضية الفلسطينية.

الخطورة في هذا المجال تنسحب أيضًا على محاولات العدو المستميتة في كل وقت لتبديل الحقائق وتزييف التاريخ، والعمل على إنهاء القضية، ومحاولات إقناع الشعوب العربية بأهمية التقارب بين الصهاينة والعرب ومؤخرًا على الساحة اللبنانية تحديدًا.

مظاهر التطبيع الإلكتروني

بالحديث عن مظاهر هذا التطبيع، فإن الأمر لا يبدو بالطبع جديدًا، لكنه اتخذ في الآونة الأخيرة أشكالًا مختلفة. وهنا، تشير الأستاذة هبة إلى أن وقوع الكثير من المتابعين في هذا النوع من التطبيع قد يكون عن غير قصد، إذ إن تفاعل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مع الحسابات والصفحات “الإسرائيلية”، حتى ان كان تفاعلًا سلبيًا أو من باب السخرية، يزيد من إمكانية وصول الصفحة إلى المزيد من المستخدمين، وبذلك نكون قد روّجنا بأنفسنا لمضمون هذه الصفحات التي تنشر منشورات استفزازية ومضللة لهذا الغرض.

وتحذر تجمعات مقاطعة العدو ومواجهة التطبيع من التفاعل مع الحسابات التابعة للعدو على “السوشيال ميديا” وهي على نوعين: الحسابات الشخصية مثل حساب المتحدث باسم الجيش الصهيوني “أفيخاي أدرعي”، حساب رئيس حكومة العدو “بنيامين نتنياهو”، حساب وزير الحرب الصهيوني “يوآف غالانت” وحساب الصحفي الصهيوني “إيدي كوهين” وغيرها من الحسابات الرسمية الأخرى مثل حساب “الموساد”، حساب الجيش “الإسرائيلي” وحساب “إسرائيل” بالعربية وحسابات أخرى.

عضو حملة المقاطعة تشير أيضًا إلى أن الحملة تلقت معلومات من المتابعين تفيد بوجود مجموعات على تطبيق “REDDIT” تضم لبنانيين و”إسرائيليين”، وتفتح باب النقاش في مواضيع متنوعة سياسية وثقافية واجتماعية وغيرها، وقد بادرت الحملة إلى البحث عن مجموعات شبيهة على تطبيق “فيسبوك”، ووجدت بالفعل عشرات النتائج بعضها أنشئ قبل فترة طويلة.

تتابع الأستاذة هبة فتشير إلى أن الصفحات والنماذج المذكورة ليست الوحيدة بالطبع، لا سيما الحديثة منها، لأن ثمة نماذج سابقة كانت حملة المقاطعة قد دعت إلى مقاطعتها لأنها “إسرائيلية” الأصل. منها تطبيق (365Scores) الذي يقدّم خدمات إخباريّة عبر تحديث النتائج الرياضيّة للملايين من المستخدمين، وتطبيق (AppsVillage) الذي يسمح ببناء تطبيقات للهواتف الذكية بطريقة سهلة، وموقعَي (Wix) و(TinyTap) الإلكترونيين اللذين نجحنا في حظرهما في لبنان عام 2017. بالإضافة إلى الدعوة لمقاطعة عدد من تطبيقات الألعاب “الإسرائيلية” مثل شركة (SuperPlay) المنتجة لمثل هذه التطبيقات. هذه التطبيقات كان التجمّع الأردني قد دعا بدوره أيضًا لمقاطعتها.

مكافحة التطبيع رسميًا وتنظيميًا

بين الجهات الرسمية والتنظيمية تتوزع المسؤوليات لمكافحة التطبيع بكل أشكاله، فعلى الصعيد الرسمي يتولى مكتب المقاطعة في لبنان، بشكل أساسيّ، تطبيق قانون مقاطعة “إسرائيل” الصّادر عن جامعة الدول العربيّة عام 1955، ونصّه: “يحظَّر على كل شخص، طبيعي أو معنوي، أن يعقد، بالذات أو بالواسطة، اتّفاقًا مع هيئات أو أشخاص مقيمين في “إسرائيل”، أو منتمين إليها بجنسيتهم، أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها، وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقة تجاريّة أو عمليّات ماليّة أو أيَّ تعامل آخر أيًّا كانت طبيعته”.

وفي هذا الإطار، تؤكد الأستاذة هبة أن حملة مقاطعة داعمي “إسرائيل” في لبنان تربطها علاقة جيدة جدًا بمكتب المقاطعة ودائمًا ما تلجأ إليه عندما يتم رصد أيّ حالة تطبيعيّة.

في سياق متصل، يشير الأستاذ طارق العياري، عضو الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلى أن الأمر يبدو أكثر خطورة في ظل غياب الدعم الحقيقي من قبل السلطة الرسمية التي لم تتخذ موقفًا يتبنى خيار المقاطعة ويروّج له كخيار أخلاقي وسياسي دائم، وهذا ما تواجهه الحملة في تونس.

أما على صعيد الحملة على الساحة اللبنانية فتتم التحركات وفق آلية منظمة، حيث توكل في البداية مهمة جمع المعلومات والأدلة التي تثبت وجود خرقٍ لقانون المقاطعة لفريق البحث في الحملة، ليتم تحضير الملف وإرساله إلى مكتب المقاطعة وإلى الأمن العام إذا لزِم الأمر. بعد أن يقوم مكتب المقاطعة بدراسة الملف يتّخذ قرارًا إما بمنع تطبيق ما أو حظر حساب على مواقع التّواصل إذا كان ذلك ممكنًا، وينشر المعنيون في الحملة بدورهم المعلومات على الحسابات التابعة لحملة المقاطعة على مواقع التواصل وعلى المجموعة الخاصة بالمتابعين.

مسؤولية فردية ومجتمعية

لا شكّ أن مسؤولية مكافحة ظاهرة التطبيع لا تقع فقط على عاتق المؤسسات الرسمية وحملات المقاطعة، لأنها تتكامل في جزء كبير من أهدافها مع المبادرات الفردية التي تشكّل نواة عمل الحملات التنظيمية الكبرى.

وفي هذا السياق، توضح عضو حملة مقاطعة العدو في لبنان، أن “للنشر أهمية قصوى في عملنا، فنحن ندرك أنّنا في النهاية لا يمكن أن ننجح في أيّ حملة نشنّها ضد تطبيق أو شركة ما دون الدعم الذي نتلقاه من المتابعين،” لافتةً إلى أن الحملة لا تملك القدرات البشريّة الكافية التي تمكنها من رصد كل عمل تطبيعيّ، فتصبح هذه مهمة المتابعين، إيمانًا واستكمالًا لنهج الراحل سماح إدريس الذي كان يشدّد على ضرورة أن “يعتبر كلُّ مواطن نفسه خفيرًا” انطلاقًا من مقولة الراحل سعيد تقي الدين، مؤكدةً ترحيب الحملة الدائم بأيّ مساعدة أو معلومة يمكن أن تفيدها في عملها.

الأستاذ العياري يشير بدوره إلى أهمية المبادرات الفردية والدعوات الموجهة لعدم التفاعل مع أصوات العدو وأدواته لا سيما في العالم الافتراضي، خاصةً وأن الشعب التونسي تفاعل بإيجابية كبيرة مع مبادرات الحملة، تحديدًا في المرحلة الراهنة أي ما بعد معركة طوفان الأقصى، وقد لجأ بعض التوانسة إلى تأسيس حملات تطوعية مشابهة في العاصمة وبعض المدن الأخرى.

وعلى الصعيد الأردني، تختم الأستاذة أماني باسل بالتأكيد على ضرورة قطع كل أنواع التواصل مع الصهاينة وعدم تعاطي الشباب الأردني والعربي مع المنصات التابعة لهم تحت أي سبب أو دافع، حتى لا يعطى أي مؤشر على قبولهم في مجتمعاتنا، مشيرة إلى أن هذا التطبيع مرتبط بالطبع بالتطبيع الإعلامي واستضافة ممثلين للكيان المحتل في مقابلات ولقاءات تلفزيونية على قنوات ومنصات عربية، وهذا الأمر “مرفوض رفضًا قاطعًا ونحذّر من التهاون فيه.”

المصدر موقع العهد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى