لم يشهد لبنان نزوحا داخليا وطويلًا منذ عدوان تموز 2006 وحتى تشرين الأول 2023، حيث بدأت رحلة النزوح من المناطق الحدودية الجنوبية إثر معركة طوفان الاقصى أو معركة السابع من أكتوبر، التي بدأت في لبنان كجبهة إسناد في اليوم التالي أي 8 أكتوبر.
تعدّدت وجهات النازحين، منهم من التجأ إلى مناطق جنوبية أكثر أمانا، ومنهم من انتقل إلى العاصمة وضواحيها، ومنه من توجّه بقاعا.
قضاء الهرمل، الذي يشمل ثماني بلديات: الهرمل، القصر، الشواغير، الكواخ، فيسان، جوار الحشيش، الشربين، مزرعة سجد، شهد توافدا جنوبيا محدودا بداية الأزمة، ليرتفع لاحقا بعد العدوان على الضاحية الجنوبية.
فيما المناطق التي تمّ النزوح منها مع انطلاقة الحرب، هي مناطق المواجهة على الحدود اللبنانية- الفلسطينية، وهي قرى الساحل الحدودي، الحجير، الخيام، بنت جبيل، قانا، وعددها بحدود ٦٠ قرية، ليشمل ارتفاع وتيرة النزوح بعد الاعتداء على الضاحية الجنوبية مختلف قرى الجنوب، التي ليست مصنفة أنها مناطق مواجهة.
في الهرمل، ومع بداية الحرب لم يتجاوز عدد من العوائل النازحة الـ ٣٠ عائلة، وهم ممن تربطهم بأهالي الهرمل صلة مصاهرة او قرابة أو صداقة، وخلال تلك الفترة تمّ تسجيل عودة البعض من النازحين ومجيء آخرين، بحيث تم تسجيل تراجع أعداد العوائل، وكانت وجهة العودة نحو مراكز النزوح في المناطق الجنوبية الآمنة لا سيّما صور، لينخفض العدد ويستقر على 15 عائلة فقط، يضاف إليها عدد من حالات النزوح إلى القرى اللبنانية الواقعة داخل الحدود السورية ، وبلغت نحو ٤ عوائل.
عضو اتحاد بلديات الهرمل ومسؤول ملف النزوح في حزب الله والبلدية والاتحاد عباس الجوهري، أشار لـ “الديار” إلى أنّه “لم يكن هناك طلب على السكن قبل عملية العدوان على الضاحية، حيث كان النازحون ينزلون عند أقربائهم، فيما تصاعدت وتيرة النزوح شكليا من خلال التواصل معنا من الأهالي، بإبداء الرغبة بالنزوح الى الهرمل بعد الاعتداء على الضاحية، ليبلغ عدد العوائل النازحة الجديدة في الأسبوع الذي حصل خلاله العدوان، بحدود 20 عائلة يضاف إلى الـ 15 عائلة كانت قد وفدت منذ بداية الحرب”.
وتوقع “أن يصل العدد النهائي إلى 50 عائلة ( وجود عائلات غير مسجلة)”، موضحا “أنّ وتيرة تزايد أعداد النازحين هو مقدار 2 أو 3 عائلات يوميا”. كما توقع “أن يتجاوز عدد العائلات في نهاية شهر آب الـ 100 عائلة في حال استمر النزوح بالوتيرة عينها، علما أنّ وتيرة النزوح التي حصلت بعد العداون على الضاحية الجنوبية انخفضت وخفتت”.
وعن الجهات المولجة بتنظيم أوضاع النازحين، يجيب الجوهري “الجهات الرسمية المفترض أن تتدخّل وتهتم بشؤون النازحين هي الهيئة العليا للإغاثة، التي تمتلك غرفة إدارة الكوارث في محافظة بعلبك الهرمل، ومهمتها: الإحصاء وتحصيل البيانات، القيام بدور الوسيط بين الجمعيات التي ترغب بتقديم الإحتياجات للنازحين، تكليف الصليب الأحمر مهمة إيصال المساعدات”، مؤكدًا “على الأرض لم يتم تقديم شيء يذكر سوى بعض الحاجيات البسيطة مع بداية الأزمة، محتملًا أن يكون هناك تدخل وتقديم على صعيد الدولة، لكن لم يظهر شيء بعد حتى الآن”.
وبهذا الخصوص أيضا، لفت إلى “أنّ الهيئة العليا للاغاثة ليست تابعة لأي وزارة بل لرئيس مجلس الوزراء مباشرة، فيما المطلوب من المجلس التدخّل فورا، من خلال الإيعاز للهيئة والاعتماد على البلديات من أجل:
– إحصاء سريع للعوائل النازحة.
– تخصيص معونة مالية عاجلة لمرة واحدة، ليستطيع النازح الذي سكن في بيت معدّ للإيجار أن يقوم بشراء الأغراض الضرورية لزوم السكن.
– تخصيص معونة مالية شهرية بحسب عدد أفراد الأسرة لمعيشة النازح.
– تدخّل وزارة التربية لوضع خطة مسبقة لحلّ مشكلة تسجيل أولاد النازحين في مدارس البلدات التي نزحوا اليها”.
اضاف : “أمّا الجهة الثانية المعنية بهذا الملف فهي البلديات، لكن “إفلاسها” لا يسمح لها بالتدخل”، وأوضح “أنّ حزب الله أنشأ جهازا خاصا في جميع المناطق لمتابعة الملف منذ بداية الحرب، ويهتّم بالنازحين من قرى المواجهة حصراً، والتي تم تصنيف القرى التابعة لها أنّها مناطق مواجهة، حيث يقوم بالتبليغ عن النازحين وتسجيلهم، ويقدم مقطوعة مالية شهرية، كما يقدم إيجار بيت وبدل اشتراك كهرباء، ورعاية صحية كاملة وتغطية كاملة للنفقات الصحية، ويقدم ايضا سلّة غذائية شهرية”.
مبادرات فردية
انتشرت عبر وسائل التواصل الإجتماعي مجموعة من المبادرات اللافتة في هذا الصدد، وخلال حديثه أشار الجوهري إلى “بدء المبادرات الفردية، ومبادرات الجمعيات المحلية بعد اعتداء الضاحية، ومنها تقديم المنازل التي وصل عددها بحسب تصريحات أصحاب المبادرات إلى ٥٠ منزلا، استلمتها العوائل النازحة، بعضها “مفروش” فيما العدد الأكبر منها “غير مفروش”، ويحتاج تأمين الحاجيات الضرورية الى مبلغ 2000 دولار بأقلّ تقدير لتأمين فرشات، أغطية، غاز، أدوات مطبخ ضرورية، نظام طاقة شمسية 12ڤولت، ثلاجة صغيرة”.
ولفت إلى “أنّ الأهالي الذين يملكون بيوتا للإيجار يمتنعون عن تأجيرها لأيّ أحد، ويقومون بتقديمها للنازحين من دون مقابل، كما ذكر مبادرة تقديم الفانات بنقل النازحين مجانا من قرى الجنوب الى الهرمل. وتم تبليغنا حتى الآن عن مبادرة بوضع ٤ فانات بالخدمة، وسمعنا من خلال وسائل التواصل عن مبادرات أخرى في هذا الشأن، بتقديم عدد غير محدود من وسائل النقل”.
وعن سبب الغياب اللّافت للجمعيات “الكبيرة”، التي تكون حاضرة عادة في مثل هذه الظروف، رجّح الجوهري إمكانية “أنّ يكون ذلك متعلّقا بقرار الهيئة العليا للإغاثة منذ بداية المعركة، بمنع الجمعيات من التواصل مباشرة مع النازحين، وحصر تقديم مساعداتها بغرفة إدارة الكوارث والصليب الأحمر اللبناني، ما يحرم الجمعيات من الترويج الإعلامي لما ستقوم به من أنشطة وما تقدّمه من مساعدات للنازحين، وجعلها تتراجع وتنكفىء عن التدخّل في ملف النزوح”، مؤكدا أنّ الجمعيات “غائبة عن السمع تماما”.
خلاصة القول… نزح قسرا ولم تتّم مساعدته طوعا، هذا هو حال النازح الجنوبي في لبنان، وهي خلاصة، ناتجة من غياب شبه تام للدولة عن رعاية من شرّدوا من بيوتهم لحماية الوطن، لتصبح حمايتهم نفسيا واجتماعيا واجب كلّ الوطن، ولكن للأسف: حتى النزوح يطيّف في لبنان!