تأثرت بعلبك الى حدّ كبير جداً بانخفاض قطاع ال#سياحة، وشهدت تراجعاً حاداً في عدد السياح والإيرادات السياحية بسبب الحرب القائمة التي يشهدها جنوب لبنان منذ قرابة 10 أشهر. علماً أن تداعيات هذه الحرب طاولت بعض أحياء المدينة والقرى المجاورة عبر غارات للطيران الاسرائيلي المعادي، مما أثّر سلباً على الاقتصاد المحلي والأهالي.
من هذه التداعيات أيضًا، توقف #مهرجانات بعلبك الدولية والمهرجانات السياحية، وتراجع تدفّق الزوار على المعالم السياحية الشهيرة في المدينة، وأهمها المعابد الرومانية داخل قلعتها الأثرية، وحجر الحبلة، والكثير من المعالم والأماكن التي يؤمها سنوياً مئات آلاف السياح المحليين والعرب والأجانب
فيما لم يتأثر نسبياً قطاع السياحة الدينية الذي يعدّ أحد مصادر الدخل الاقتصادي للمدينة وبعض القرى المجاورة، جراء لجوء المؤمنين إلى تلك المقامات الأماكن الدينية أكثر من أي وقت مضى، لأداء الصلوات والتقرب الى الله.
أبرز تلك المعالم مزار سيدة بشوات العجائبي في بلدة بشوات، ومقام السيدة خولة بنت الإمام الحسين القابع عند مدخل بعلبك، وكذلك مسجد رأس الإمام الحسين داخل المدينة، والمسجد الأموي الكبير التاريخي المجاور لقلعتها الأثرية، والكثير من المقامات داخل القرى والبلدات في قضاء بعلبك
يشتكي أصحاب المحلات في الوسط التجاري للمدينة من تراجع الحركة التجارية، بسبب انعدام الحركة السياحية من جهة، وتراجع القدرة الشرائية للسكان المحليين من جهة أخرى.
علي عثمان، صاحب محل لبيع اللحوم، يشكو بشكل خاص من انخفاض مبيعاته بشكل كبير في الأشهر السبعة الأخيرة. فبدلاً من ذبح عجل وبيع لحمه في يومين كما كان من قبل، أصبح في حاجة الى ما يزيد عن أسبوعين لبيع الذبيحة الواحدة، وهو ما أدى إلى تلف اللحوم. لذلك، اضطر علي وعدد من زملائه إلى شراء ذبيحة وتقسيمها في ما بينهم، حتى يتمكنوا من تدبير أمورهم، فالأرباح اليومية لا تكفي لدفع النفقات المترتبة عليهم.
أما رضا الفوعاني، صاحب متجر لبيع الأقمشة في سوق بعلبك، فيقول إن عمله شهد ركودًا في الآونة الأخيرة، مما أدى إلى خسائر متتالية في رأس المال وتراكم الديون عليه، رغم أن الوضع لم يكن كذلك سابقًا.
رئيس بلدية بعلبك بالوكالة مصطفى الشل، أكد أن السياحة الدينية لم تتأثر كثيرًا، لكنها لا تعود بالفائدة الكبيرة على البلدية، رغم أهميتها لبعض المطاعم والفنادق.
في العام الماضي، استقبلت قلعة بعلبك 60 ألف سائح أجنبي و8 آلاف عربي و139 ألف سائح لبناني، مما حقّق إيرادات لصندوق البلدي بقيمة 52 مليار ليرة لبنانية.
غير أن الحرب القائمة هي السبب الرئيسي لتراجع الحركة السياحية، إذ خلقت قلقاً لدى السياح الأجانب والعرب، مما دفعهم للتوجه إلى مناطق أقل توتراً. وهذا الإستهداف المتكرّر للمنطقة زاد من قلق السياح.
وأدى ذلك إلى تراجع إيرادات البلدية التي تعتمد بشكل أساسي على الصندوق البلدي المستقل وجباية الرسوم التأجيرية، والتي تبلغ حوالى 10 مليارات ليرة سنويًا. في المقابل، تقدم البلدية خدماتها الى 300 ألف شخص في نحو 40 ألف وحدة سكنية.
كذلك تواجه البلدية تحديات أخرى، كارتفاع أكلاف إدارة النفايات، والتي تبلغ 3 مليارات ليرة شهرياً، بما في ذلك مليار ليرة للمحروقات. وأدى ازدياد النزوح إلى المدينة إلى زيادة كمية النفايات اليومية إلى أكثر من 80 طناً.
ورأى الشل أنه “تحت هذه الظروف الصعبة، تعتمد البلدية على الموازنة المخصصة لها عام 2023، إضافة إلى بعض الهبات من أصدقاء المدينة. وتأمل في أن تتوقف الحرب لتنتعش السياحة مجدداً، باعتبارها العامل الأساسي لتحريك العجلة الاقتصادية في المنطقة”.
في المقابل، ورغم شدّة الأزمة الاقتصادية والأمنية التي تواجهها بعلبك، تكمن الآمال في أن تعود السياحة إلى ازدهارها السابق عندما تتحسن الأوضاع الأمنية. فبذلك ستتمكن بعلبك من استعادة مكانتها السياحية والثقافية المرموقة.
على صعيد آخر، تظهر مبادرات إيجابية تسعى الى إحياء التراث الثقافي والإنتاج المحلي، رغم التحديات. فقد افتتحت الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب بالتعاون مع عدد من القرى معرضها الأول للمنتجات المحلية، تحت عنوان “موِّن بلدي” في باحة القرية الزراعية في سهل بعلبك. وهذه المبادرة تمثل محاولة لتشجيع العمل المحلي والتعاوني وعدم الاستسلام أمام الواقع الصعب.
بذلك، تظل هناك آمال في عودة بعلبك إلى ازدهارها السابق، إلى جانب جهود محلية إبداعية لتحدي الواقع الراهن والمحافظة على هويتها الثقافية.