“منذ تشكيل لجنة إدارة الكوارث الوطنية التي وضعت خطة طوارئ عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كانت وزارة التربية متحفظة حول استخدام المدارس الرسمية كمراكز إيواء. بقي التحفظ قائماً رغم الأحداث التي حصلت مؤخراً وما يلوح في الأفق من إمكانية شن العدو حرباً على لبنان. وازدادت الضغوط على وزارة التربية، التي تعمل على وضع خطة تربوية تحاكي استمرار الحرب في الجنوب، لكن لم تتغير المواقف من فتح أبواب المدارس الرسمية أمام النازحين.
ويوم أمس سلمت الوزارة لائحة بأربعة مدارس رسمية إلى لجنة إدارة الكوارث كما جاء في كتاب مرسل من مكتب الوزير إلى مدير عام التربية حمل الرقم 5308/11 بتاريخ 8 آب الحالي، طلب فيه القيام بما يلزم لوضع المدارس التالية بتصرف لجنة عمليات مواجهة الكوارث وهي: متوسطة بكا الرسمية، في راشيا، ومدرسة سرجبال الرسمية ومدرسة مرستي الرسمية في الشوف، ومدرسة المحامي حنا الخوري جرجس الشالوحي الرسمية في بلدة دار بعشتار في الكورة.
مدارس مقفلة وبعيدة
في تقصيات “المدن” حول هذه المدارس الرسمية، تبين أنها مقفلة منذ سنوات عدة، ولا يوجد فيها إدارات. فهي موجودة في أماكن بعيدة ونائية. قلة عدد الطلاب في المناطق الواقعة فيها هذه المدارس، دفع الوزارة إلى إقفالها وإلحاق الطلاب والهيئة التعليمية بمدارس أخرى.
بُعد هذه المدارس عن العاصمة ووقوعها في أماكن جبلية، واحدة منها قريبة من الحدود السورية، لا يؤهلها لتكون مراكز إيواء، لا سيما أن النزوح في حال حصل سيكون من الضاحية الجنوبية نحو بيروت أو جبل لبنان. وبالتالي، ظهرت وزارة التربية من خلال التخلي عن هذه المدارس، أنها لا تريد استخدام المدارس الرسمية كمراكز إيواء، على اعتبار أن الأمر يؤثر على انطلاق العام الدراسي المقبل. فجل ما حصل أن الوزارة سلمت مدارس مقفلة وغير مستخدمة أصلاً.
من ناحيتها، اختارت مديرية التعليم المهني أهم وأكبر مجمعات مهنية لإيواء النازحين، هي مجمع نبيه بري في بئر حسن، ومعهد زغرتا المهني، والمعهد الفندقي في الميناء. ما جعل وزارة التربية تبدو كأنها تعيش في كوكبين مختلفين. فالمعيار الذي اعتمد في التعليم الرسمي هو المدارس المقفلة والنائية التي لا تستخدمها الوزارة منذ سنوات عدة، فيما في التعليم المهني المعيار كان اختيار المعاهد الكبيرة لإيواء أكبر عدد ممكن من النازحين.
واقع الحال أن المديرية العامة للتربية سلمت أربع مدارس رسمية في مناطق بعيدة يصعب الوصول إليها ومقفلة ولا يعرف مدى جاهزيتها لاستقبال نازحين، فيما مديرية التعليم المهني بدأت بتجهيز أهم مجمعاتها. وتقول مصادر مطلعة أن المعايير التي وضعت لاختيار هذه المجمعات هي سهولة الوصول إليها وحجمها الضخم لإيواء أكبر عدد من النازحين (أخذوا معيار عدوان العام 2006 وعدد النازحين حينها) واحتواؤها على معهد فندقي، كي يعد الطعام للنازحين.
فمجمع بئر حسن يضم أربعة مبانٍ ومجهز بمعهد فندقي ضخم، ومعهد زغرتا المهني، يضم ثلاثة مبانٍ بثلاث طبقات ومعهد فندقي كبير، ويبعد عن طرابلس نحو 5 كيلومترات، والمعهد الفندقي في الميناء ضخم جداً ويوجد بجانبه فندق يمكن استخدامه أيضاً. وإذا استدعت الحاجة سيصار إلى فتح مجمع الدكوانة أيضاً. لكن الخيار وقع على هذه المباني بناء على توقعات نزوح تحاكي العدوان الإسرائيلي في تموز 2006.
تراجع التربية عن تحفظاتها
الانتقادات التي تلقتها وزارة التربية حول موقفها من عدم استخدام المدارس الرسمية، والسيناريوهات التي وضعتها لجنة إدارة الكوارث الوطنية حول النزوح، دفعت وزير التربية إلى التراجع عن مواقفه السابقة. ووفق رئيس لجنة إدارة الكوارث ووزير البيئة ناصر ياسين، لم يعد الوزير الحلبي متحفظاً بموضوع المدارس الرسمية. وأكد لـ”المدن” أن وزارة التربية ستسلم اللجنة لائحة بمدارس كثيرة، غير تلك الواردة في القرار السابق الذكر. فالوزير الحلبي لم يعد متحفظاً مثل السابق، وحالياً لديه حذر وحيد يتعلق بالمدارس التي أعيد ترميمها والتي تم تجهيزها بتقنيات حديثة مثل الألواح الذكية وغيرها من اللوجستيات. غير ذلك أكد أن كل المدارس الرسمية ستكون مفتوحة لإيواء النازحين في حال اندلعت أي حرب على لبنان.
وأكد ياسين أنه تم تشكيل لجنة مختصة لدارسة وضع المدارس التي ستسلمها وزارة التربية لمعرفة مدى جهوزيتها للإيواء، ويوم الإثنين المقبل ستتسلم اللجنة لوائح جديدة من وزارة التربية لدراسة حالتها. ولفت إلى أن اللجنة وضعت أكثر من سيناريو حول الاعتداءات الإسرائيلية ومدى توسعها جغرافياً. فثمة محاكاة لحرب تشبه تداعياتها حرب العام 2006 ونزوح أكثر من مليون مواطن. وبالتالي حينها ستكون هناك حاجة لمئات المدارس للإيواء. وهناك سيناريو آخر حول عدم حصول حرب شاملة، بل توسع الاعتداءات على مناطق جنوبية أخرى، ونزوح نحو 150 ألف مواطن يضافون إلى نحو 100 ألف مواطن نازحين حالياً. وفي هذه الحالة الحاجة للمدارس الرسمية ستكون أقل.”
ويلفت ياسين إلى أن الأهم من الإيواء في حال حصول حرب، هو تأمين الدواء والغذاء. لذا، وضعت اللجنة آلية طلب مساعدات من المانحين الدوليين. وتبلغ المانحون بهذه الآلية التي سيتم تفعيلها حسب الحاجة. وصحيح أن لا مساعدات خارجية في الوقت الحالي، لأن المانحين يعتبرون أن قواعد الاشتباك لم تتغير، إلا أن ياسين أكد أن آلية طلب المساعدات التي وضعتها اللجنة تحاكي ظروف توسع نطاق الحرب والحاجات في كل مرحلة. وستصل المساعدات لتأمين الدواء والماء والغذاء والإيواء، حسب كل مرحلة.