أدى استهداف القيادي في حزب الله فؤاد شكر في منزله الكائن في منطقة حارة حريك الأسبوع الماضي وارتفاع منسوب القلق من توسع رقعة الحرب إلى حركة نزوح موقتة أو خطة “إجلاء” تحسباً لأي ضربة أخرى للضاحية الجنوبية.
لا شيء يعلو فوق الشعور بالأمان، هذه الحقيقة دفعت عدداً كبير من سكان الضاحية ومحيطها إلى البحث عن مكان أكثر أماناً في الوقت الراهن. ليس سهلاً أن تخلي منزلك فجأة وتبحث عن أي مكان آخر أقل تهديداً، وسط تهديدات إسرائيلية متواصلة والردّ المنتظر من حزب الله من جهة وإيران من جهة أخرى بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية.
لم يعدّ قسم كبير من أهالي الضاحية ينظرون إلى التهديدات الإسرائيلية على أنها “مجرد تهويل وترهيب” وقد أخذها كثيرون على محمل الجدّ وقرر الإبتعاد عن منطقته تحسباً لأي ضربة جديدة متوقعة. فما عاشوه في تلك الليلة في حارة حريك يؤكد أن كل الاحتمالات مفتوحة و”ما حدا فوق رأسو خيمة”.
شهدت مناطق الجبل وكسروان وبيروت وغيرها موجة نزوح موقتة ل#لبنانيين انتقلوا من الضاحية خوفاً من ضربات إسرائيلية أخرى. لكن هذا الانتقال “الإجباري” الذي فُرض على أهالي الضاحية وجوارها كشف استغلالاً مقيتاً من بعض السماسرة وأصحاب الشقق لجني الأموال بطريقة خيالية، مقابل إنسانية حاضنة حيث فتح البعض بيوتهم من دون مقابل.
أسعار الشقق نار، هذا لسان حال الأهالي الذين يبحثون عن شقق موقتة إلى حين انكشاف مسار الأيام المقبلة، لكن ما صدمهم أن الأسعار تفوق المعقول ووصل بعضها إلى 2000 دولار للشهر الواحد، مع دفعة مسبقة سلفاً.
قد تكون دعوة مفوضية الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي إلى “جميع المالكين والمعنيين إلى مراعاة المعدلات الطبيعية لأسعار إيجارات الشقق والمنازل التي يستأجرها النازحون من أبناء الجنوب، والتعامل مع مقتضيات هذه المرحلة بمنتهى التضامن الوطني والاجتماعي والإنساني”أكبر دليل على الاستغلال الحاصل.
ونتذكر جيداً مع بداية الحرب، كيف توّجه رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ” بالقول “ندائي هنا لأهل الجبل بألا يكون التفكير بالاستفادة مالياً وأن تكون الإيجارات “مقبولة”. لكن ما يُقال في العلن مختلف عما يجري في الواقع حيث وصلت أسعار الشقق في عاليه وحمانا وغيرها إلى 1800 و2000 دولار.
برأي المستشار القانوني لنقابة المالكين شربل شرفان أن “الطلب يفوق العرض أضعافاً مضاعفة ما يجعل ارتفاع الأسعار شيئاً محتماً. ويعود السبب بكل بساطة إلى قانون الإيجارات القديم، فالمستأجرون القدامى الذين يملكون منزلاً أو تركوا منازلهم وسافروا أو اشتروا في مكان آخر وما زالوا يحتفظون بالمفتاح ويتصرفون بالشقق وفق شروطهم، يؤدي إلى خلق أزمة كما هي الحال اليوم”.
والحل وفق شرفان “تحرير قانون الإيجارات القديم بحيث يصبح الطلب يوازي العرض. وطالما المالك لا يستطيع تحرير ملكه ستبقى الإيجارات القديمة تؤثر على الإيجارات الجديدة. وطالما ما زال قانون الإيجارات الاستنثائي يُكبل المالك ويحرمه من ملكه، سنبقى نشهد على أزمات متشابهة وحرمان المواطنين من شقق إيجارات بأسعار مقبولة”.
منذ ارتفاع منسوب الحرب على لبنان في الأسابيع الماضية، تبحث ديما عن بديل سريع يُجبنها خطر البقاء في منطقتها المهددة، كان الخيار الأسهل والمنطقي البحث عن شقة مفروشة تفي بالغرض، وتعترف في حديثها لـ”النهار” أن “أسعار الشقق المفروشة في مختلف المناطق كفردان، وكورنيش المزرعة ومار الياس ووطى المصيطبة والطيونة تراوحت بين 1200 إلى 1400 دولار، مع شرط دفع 3 أشهر مسبقاً”.
لم تكن الأسعار تُحاكي واقع الإيجارات في لبنان في الأيام العادية، إلا أن طبول الحرب دفعت ببعض اللبنانيين إلى استغلال الأزمة لجني الأرباح من دون حسيب أو رقيب. باختصار أنت أمام “أمر واقع” ولا خيارات متاحة، وهذا ما جعل أسعار الإيجارات تشهد ارتفاعاً غير مسبوق.
ويرفض شرفان أي ممارسات لبعض المالكين والتجاوزات التي تمارس بطريقة غير أخلاقية، ويقول “نرفض حكماً أي استغلال لأي أزمة لرفع الأسعار، وموقفنا واضح وصريح”.
لا تخفي ديما أنها لم تكن تملك رفاهية الوقت والانتظار، تقول “يجب اختيار الأنسب حتى لو كان عليّ تحمل تبعات هذا القرار مادياً، لأن المهم أن أشعر بالأمان وأنا أخرج بالوقت الحاضر من الضاحية. كنتُ أبحث عن دائرة أمان بعيداً عن الخطر ولكني تفاجأت بالاستغلال الممارس من قبل البعض لجني أرباح كبيرة على حساب الشخص الذي يبحث عن مكان يؤويه”.
يُحكى عن استغلال بعض أهالي الجبل وكسروان وبيروت حالة الحرب لرفع الإيجارات، لكن الحق يٌقال أيضاً أن أهالي الجنوب لم يتوانوا عن فعل الشيء نفسه مع أهالي المناطق الحدودية في الجنوب الذين نزحوا إلى صيدا وصور وغيرها من المناطق وتذوقوا كأس ارتفاع أسعار الشقق.
قصص كثيرة سمعناها، وإحداهن تروي أن صاحب إحدى الشقق في منطقة كسروان الذي كان يعرض ايجار شقته بمبلغ 10 آلاف دولار سنوياً، قرر أن يرفع الكلفة لتبلغ 1800 دولار شهرياً، مع شرط دفع 3 أشهر مسبقاً وأن تكون مدة الإيجار لسنة كاملة. وبرغم من كل هذه الشروط “المستعصية” في هذه الظروف، فإن المستأجر قرر دفع 1400 دولار لتكون المفاجأة أن صاحب الشقة رفض باعتبار أنه يمكن أن يجد من يقبل بشروطه وأن يحقق أرباحاً أكثر.
يتفاوت المشهد بين من فتح بيته بإنسانيته ومن دون استغلال، وهذا ما حصل مع ديما بعد رحلة بحث مضنية حيث فتح أحد أصدقائها منزله لتسكن فيه مع عائلتها من دون أي مقابل، وبين من قرر “مص دم البعض لآخر ليرة” لتحقيق أرباح في هذه الأزمة.
تؤكد مستشارة في إحدى الشركات العقارية أننا نشهد اتصالات كثيفة بحثاً عن متعهدين أو أصحاب شقق خوفاً من تطور الأوضاع ميدانياً. أكثر من 500 اتصال يومياً تتلقاها الشركة لإيجاد بديل سكني في المناطق الكسروانية. ويقتصر دور الشركة على أن تكون صلة وصل بين المستأجر والمؤجر فقط لا غير، ولكن سمعنا عن ارتفاع أسعار كبير نتيجة الوضع.
كانت لافتة حركة النزوح التي شهدتها منطقة الضاحية بعد استهدافها الأسبوع الماضي، والتي أعادت إلى الأذهان مشهد حرب تموز 2006.
تعترف المستشارة في الشركة العقارية أن “لا يوجد قانون ينص على ايجار لمدة شهر أو شهرين، وهذا ما يدفع بصاحب الشقة إلى رفض هذه الخيارات وأن يفرض مدة عام كمدة قانونية للإيجار تُجدد تلقائياً كما ينص القانون. وهذه النقطة الجدلية التي يتوقف عندها المستأجرون في حين يتخوف اصحاب الملك إلى استملاك الشقة وإطالة إقامة المستأجر كما حصل في حرب تموز”.
تحاول احدى السيدات البحث عن شقة في سوق الغرب من خلال مكتب عقارات، لتفاجأ أن إبجار الشقة شهرياً يصل إلى 1900 دولار مع عمولة للمكتب تصل إلى 300 دولار. وفي حال تقرر إيجارها سيحتم عليها دفع 700 دولار سلفاً.
في النهاية، لا يمكن تعميم المشهد ولا غضّ النظر عما يجري، هناك فئة أبقت أسعار الإيجارات على حالها مقابل فئة استغلت الأزمة لكسب الأرباح، وتبقى “العترة ع يلي ما معو، وين بروح”.