صحة عامة

أبرز ابتكارات علاجيّة لسرطانات الثدي والجلد والرئة

يواصل مسار الإصابات بالسرطان حول العالم تصاعده فيما تواصل البحوث العلمية والجهود الطبية معركتها في إيجاد علاجات جديدة أكثر فعالية في محاربة السرطان.

ما زال السرطان يزهق الأرواح، حوالى 10 ملايين شخصاً تُوفوا حول العالم في 2020 فيما سُجل حوالى 20 مليون حالة جديدة في 2022 وفق منظمة الصحة العالمية.

المؤشرات مقلقة حيث من المتوقع أن يصل عدد الإصابات بالسرطان إلى 35 مليون حالة في عام 2050 أي بزيادة نسبتها 77 في المئة مقارنة مع العدد المُسجل في عام 2022.

داخل القاعة في شيكاغو كما في لبنان، كان الأطبّاء والباحثون من مختلف أنحاء العالم يعرضون أفضل الأبحاث السرطانية لعام 2024، يناقشون النتائج ويعطون الأمل في مسار العلاجات الحديثة لمواجهة السرطان بمختلف أنواعه.

يسلّط المؤتمر السنوي الذي تُقيمه الجمعية الأميركية لعلم الأورام السريري “أسكو” الضوء على أحدث الابتكارات العلمية وأبرز النتائج البحثية والاكتشافات العلاجية في التجارب السريرية.

نحن أمام جرعات أمل في إحداث فرق في العلاجات السرطانية وتغيير ملامح السرطان القاسية في حياة المرضى وشفاء أعداد أكثر منهم.

في الآتي، نتوقف عند أبرز الأبحاث العلمية ومشاركة نتائجها مع رئيس قسم أمراض الدم والسرطان في الجامعة الاميركية في بيروت في أمراض سرطان الثدي البروفيسور ناجي الصغير المشارك في المؤتمر.

سرطان الثدي

المحطة الأولى التي سنتوقف عندها هي الدراسات البحثية الحديثة التي تناولت سرطان الثدي في مؤتمر ASCO 2024.

يتحدث الصغير عن الدراسة الأولى التي تحمل اسم DESTINY-Breast06 وتناولت الأدوية المهدفة التي تحتوي على العلاج الكيميائي (T-DXd) الذي ثبتت فعاليته العام الماضي في حالات هير2 المستعصية.

شملت هذه الدراسة المرضى الذين يعانون من سرطان الثدي المنتشر الإيجابي البروتين المنخفض (HER2-low)والذين يعانون من مقاومة العلاج الهرموني.

لكن ما قدمته هذه الدراسة من جديد أنها دمجت بين علاجين (المستهدف+الكيميائي) وأعطت نتائج إيجابية حيث وصل معدل الحياة بدون تقدم المرض إلى 13 شهراً عند المرضى الذين خضعوا لهذا العلاج المزدوج مقابل 8 أشهر عند المرضى الذين خضعوا فقط للعلاج الكيميائي.

وبالرغم من هذه الإيجابية في الأبحاث، شدد الصغير على مراقبة المضاعفات الجانبية لهذا العلاج التي يجب على الأطباء مراقبتها جيداً وعلى المرضى التنبه لأي عارض، إذ قد يعاني المرضى من الأمراض التسللية ( Infiltrative lung disease) التي قد تكون في حالات قليلة مميتة.

لذلك من المهم جداً مراقبة أي عارض مثل السعال أو ضيق التنفس، وفي حال ظهورها يجب توقيف العلاج فوراً والخضوع لعلاج الكورتيزون.

النصيحة الذهبية التي يمكن تقديمها هي إجراء سكانر كل 6 أسابيع للمراقبة والكشف عن أي عارض قبل حدوثه. علماً بأن هذا الدواء لا يُستخدم فقط في علاج سرطان الثدي وإنما يشمل انواعاً أخرى مثل سرطان المعدة والبنكرياس…

أما الدراسة الثانية التي يجب تسليط الضوء عليها فهي تُركز بشكل أساسي على التغييرات الجينية.

وفي هذا الصدد، يشير الصغير إلى فحوص إضافية استطاعت أن تُحدث فرقاً في التشخيص من خلال إجراء فحص “تسلسل الجيل الثالي”.

وكما بات معروفاً فإن التغيّرات الباثوجينية في الطفرات الجينية في Brca 1 و Brca 2 من شأنها أن تزيد خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة تراوح بين 40 إلى 80 في المئة خاصة في سن مبكرة في حياة المرأة.

وانطلاقاً من ذلك، يؤكد الصغير أن “أهمية الفحوص الجينية ليست فقط في الكشف المبكر والتشخيص والتتبع العائلي وإنما أيضاً في تحديد مسار العلاج وإعطاء ادوية تُسمى PARP inhibitors التي تقتل الخلايا السرطانية التي تحمل هذه الطفرات الجينية.

وتُستخدم هذه الأدوية بهدف قتل الخلايا التي تعاني من خلل جيني”.

وبالعودة إلى دراسة TBCRC 048، فهي أُجريت على المرضى الذين يعانون من سرطان الثدي المتقدّم، وأظهر دواء Olaparib فعالية عند المريضات وتجاوباً بنسبة 85 في المئة على العلاج.

في المقابل، سلطت الدراسات الحديثة الخاصة بسرطان الثدي عن التغييرات الجينية التي تُسبّب استعداداً لنموّ السرطان.

وفي هذا الصدد، أجرى دراسة مقاربة بين دواء CDK 4/6 inhibtors مع العلاج الكيميائي، وقارنت الدراسة الكورية young PEARL بين دواء palbociclib و exemestaneوالعلاج الكيميائي وتبيّن أن العلاج الهرموني أعطى فعاليته عند المريضات اللواتي لديهن سرطان منتشر.

هذه النتائج تُحاكي دراسة سابقة Right Choice، نُشرت في مجلة ASCO JCO حيث كان البروفيسور ناجي الصغير الباحث الرئيسي فيها ونشرت له مقابلة في موتمر شيكاغو في مجلة ASCO Daily News، أظهرت أن السيدات اللواتي لديهن سرطان عدواني وسريع الانتشار وخضعن لعلاج ribociclib مع علاج مضاد للهرمونات، كشفت أن العلاج المضاد للهرمونات كان أفضل بإطالة الأمد عند غالبية الحالات بحوالى 32 شهراً مقابل 13 شهراً مع العلاج الكيميائي.

سرطان الجلد

أما في ما يخص سرطان الجلد، فأظهرت الدراسات السابقة الأخيرة فعالية العلاج المناعي في تحقيق نتائج إيجابية ممتازة، إذ تساعد الأدوية المناعية الجهاز المناعي في التعرّف إلى الخلايا السرطانية وقتلها، فيما تحتال الخلايا السرطانية على الخلايا المناعية من خلال تكوين بروتين PDL-1 على سطح الخلية.

ولكن ما الجديد اليوم؟ عرض مؤتمر ASCO 2024 دراسة مهمة NADINA trial تناولت استخدام الأدوية المناعية Nivolumab و Ipilimumab قبل الجراحة، التي تساعد الجهاز المناعي على التعرف إلى الخلايا السرطانية وقتلها. وفي مقاربة للنتائج، تبيّن أن اعطاء هذين الدواءين قبل الجراحة (استئصال الورم في سرطان الجلد) أعطى نتائج جيدة وإيجابية مقارنة بإعطائها فقط بعد الجراحة.

وسجلت هذه الدراسة مدى استفادة المرضى مع العلاج المناعي قبل الجراحة بنسبة 83.7 في المئة يعيشون بدون عودة المرض فيما المرضى الذين تلقوا العلاج بعد الجراحة بنسبة 57.2 في المئة، وهذا دليل على استفادة كبيرة للمرضى من هذا العلاج قبل الجراحة.

سرطان الرئة

في الجلسات الرئيسية للمؤتمر أيضاً، سلطت الأبحاث العلمية على دراستين رئسيتين، الأولى تحمل اسم LAURA Trial وتتناول المرضى الذين هم في المرحلة الثالثة من المرض ويعانون من طفرات جينية mEGFR حيث يخضعون عادةً لعلاج شعاعي مع العلاج الكميائي (إذ يتعذر إجراء عملية لهم).

في الدراسة، أُعطي هؤلاء المرضى بعد تلقيهم العلاج المذكور دواءً اسمه Osimertinib مقابل فئة أخرى من المرضى الذين تناولوا علاجاً وهمياً، وتبيّن أن خطر معاودة المرض خفّ، ومعدل إطالة الحياة كان 39 شهراً لمن تناول هذا الدواء، بينما للفئة الأخرى كان المعدل 5 أشهر فقط.

كذلك أظهرت الدراسة أن المرضى الذين تناولوا دواء Osimertinibعلى مدى سنتين، 65 في المئة منهم كانوا على قيد الحياة ومن دون تقدم في المرض مقابل 13 في المئة الذين لم يأخذوا هذا الدواء. وهذه النتائج إيجابية ومبشرة خصوصاً أنه أظهر فعالية في منع حدوث انتشار المرض في الدماغ عند المرضى الذين تناولوا الدواء.

أما الدراسة السريرية الثانية باسم ADRIATIC التي قُدّمت في المؤتمر أيضاً، فشملت المرضى الذين يعانون من سرطان الرئة ذي الخلايا الصغيرة (Small Cell Lung Cancer).

ويُعرف هذا النوع من السرطان بأنه سريع النموّ حتى لو اكتُشف في المراحل المبكرة، وعادة يخضع المرضى للعلاج الكيميائي مع العلاج الشعاعي، لأن قسماً كبيراً منهم يواجه خطر معاودة المرض حتى لو خضعوا للجراحة.

لكن ما كشفته هذه الدراسة الجديدة ADRIATIC أن العلاج المناعي من خلال دواء Durvalumab أظهر تحسناً كبيراً في البقاء على قيد الحياة من دون تقدم المرض حيث بقي 36 في المئة من المرضى الذين تناولوا هذا الدواء بعد مرور 36 شهراً على قيد الحياة.

وأظهرت الدراسة أن متوسط البقاء على قيد الحياة عند المرضى الذين تناولوا الدواء كان 56 شهراً مقابل 33.4 شهراً للذين تناولوا العلاج الوهمي.

ما الذي تقوله لنا هذه الدراسات؟ نعرف جيداً أن هذه الأبحاث العلمية نجحت في اجتياز شوط كبير في رحلة العلاج مع السرطان.

وقد أظهرت الأدوية الجديدة اليوم فعالية كبيرة واستجابة مثيرة للاهتمام في القضاء على السرطان أو إطالة حياة المريض.

لقد أصبحنا نستطيع شفاء أكثر من 60% من مجمل حالات السرطان وأكثر من 90-80% من حالات الكشف المبكر.

الاخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى