رأى شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى أنَّ “ما نعيشه اليوم في بلادنا وفي محيطنا يدعونا إلى اليقظة، ويوجب علينا كموحّدين التأكيد على الهوية الوطنية العربية الإسلامية التوحيدية للطائفة، والتمسّك بإرثنا الروحي، والثبات في انتمائنا وفي هويّتنا وفي التزامنا بالفرض وتجذّرنا بالأرض ودفاعنا عن العرض.”
كلام أبي المنى جاء في الكلمة التي ألقاها في مأتم الشيخ الجليل أبي مسعود هاني جابر مسعود شهيب في عاليه اليوم، وقد حضر للمرة الثانية على رأس وفد من المشايخ وأعضاء من المجلس المذهبي والمستشارين، وكان في استقباله نجل الراحل الشيخ منهال جابر عضو الهيئة الدينية الاستشارية في مشيخة العقل وعائلة الراحل ومشايخ وفاعليات مدينة عاليه، والى جانبهم المشايخ المعزّون الشيخ القاضي نعيم حسن والشيخ نصر الدين الغريب والمشايخ: أبو صالح محمد العنداري، أبو علي سليمان بو ذياب، أبو زين الدين حسن غنام، أبو فايز أمين مكارم، أبو طاهر منير بركة، أبو يوسف أمين العريضي، أبو داود منير القضماني، أبو محمود سعيد فرج، أبو حمد جميل برغشة، أبو سعيد أنور الصايغ، أبو حسن عادل النمر، أبو نبيه سليمان كبول من جبل الشيخ، أبو سليمان سعيد سري الدين. ومن بين المشاركين: الوزيران عباس الحلبي وعصام شرف الدين، النائب اكرم شهيب، الامير مجيد طلال ارسلان، وعدد من الوزراء والنواب السابقين وشخصيات روحية وسياسية وحزبية واجتماعية وأهلية، وحشد غفير من المشايخ من مختلف المناطق شاركت في المأتم الحاشد، الذي أقيم في قاعة جمعية الرسالة الاجتماعية وجوارها.
شيخ العقل
وبعد كلمات ألقيت لكل من الشيخ هادي جمال الدين معرّفاً، الشيخ مجد سلمان شهيب باسم عائلة الفقيد، رئيس جمعية “الاشراق” الخيرية الشيخ الدكتور وجدي الجردي باسم مدينة عاليه، وقبيل الصلاة ألقى شيخ العقل كلمة قال فيها: “منذ أربعة عقودٍ بالتَّمام ودّعتْ عاليه والطائفةُ المعروفية الشيخَ الجليلَ العلمَ المرحوم الشّيخ أبو هاني مسعود جابر شهيب، والدَ شيخِنا الطاهرِ الجليل المرحوم الشيخ أبو مسعود هاني الذي نودَّعُ اليومَ بحسرةٍ وأسى، حينها زحف الجمعُ الكبير من أهل الجبل إلى عاليه، وقد كنّا آنذاك بعمر الشباب، فبكيناه ورثيناه راضين مسلِّمين: أَسَفَي على ذاكَ الجمــالِ لقـــد ذوى، أسفي على الوجـهِ الأَنيسِ يَبيــــدُ، نرضــى، نُسلِّـمُ للإلــهِ أمورَنـــا والكلُّ للقـَدَرِ الأكيــدِ عَبيـــــدُ”.
اضاف: “وها نحن اليومَ، وبعد أربعين سنةً، نعودُ بقلوبٍ مكسورةٍ حزينةٍ راضيةٍ مسلِّمة، لنقول: سلامٌ على روحك الطاهرةِ يا أيُّها الوجهُ السعيد، يا حاملَ رسالةِ الآباء والأجداد، سلامٌ عليك أيُّها الشيخُ العينُ الثقةُ الأمين، يا حافظَ البيت والإرث والأمانة، سلامٌ على ذِكرِك الطيِّب، وعلى سيرتِك البهيّة، يا ركناً من أركان مجتمع أهل الدين والتوحيد “الأجاويد”، وقلباً نابضاً بالبِرِّ والحبِّ والإيمان، وصدراً رابضاً كما الأبُ الصالحُ على تربة الأمير معضاد مستمِّداً منه العزمَ لمواجهة الصعاب والمحن، ناهلاً الحكمةَ من مَعين السلف الصالح في هذه العائلةِ المعروفيّةِ الكريمة ومن عائلات عاليه المشهود لها بالتقوى والصَّلاح ورجاحة العقل والثبات على كلمة الحقِّ والتوحيد. بالأمس البعيد في زمن الحرب والضِّيق، سقط “مسعودُ” ك الفتى الغالي شهيداً، فارتفعتَ معه عقلاً راجحاً وقلباً صابراً وفماً واعظاً وساعداً ممتشقاً سيفَ الإيمان والرضا والتسليم، وانتهجت نهج السيِّدِ الأمير، فقلتَ ما قلنا: حكم القضا والحكمُ فينــا سيِّدُ نرضى كما رضيَ الأميرُ السيِّدُ واعتصرَ القلبَ ثانيةً رحيلُ نجلِك الثاني “مهنّا”، ففاض قلبُكَ نوراً على نورٍ وقبولاً على قَبول، وازددتً تعلُّقاً بكتابِك ومحرابِك، لائذاً في حِمى الإحسان، مرتقياً على سُلَّمِ التوحيد والإيمان، حيثُ العبادةُ مسافرةٌ وارتقاء، ومن حولك كوكبةٌ من أتقياء “عين حالا” وأجاويد “عاليه”، يسيرون خلفَك كما سرتَ خلف سلفِك الأطهار الأجلَّاء، وصُنتَ الأمانة وجمعت الشملَ وأعليتَ رايةَ التوحيد، كما أعلاها من قبلِكم سادةُ هذه المدينة الأجلَّاء وأعيان هذه العائلة الأفاضل، من الشيخ أبو يوسف أمين إلى الشيخ أبو ريدان والشيخ أبو حمزة والشيخ أبو طاهر وغيرِهم، وكان بيتُكم في كلِّ مرحلةٍ وكلِّ عهدٍ محجّةً ومقصداً لشيوخ الجهاد وقادة البلاد، لذلك فأنت حيٌّ يا شيخ أبا مسعود، لأنّ نورَكَ وجوهرَك باقيَان وذكرَك خالدٌ لا يموت: “فالنّـورُ لا يُطوى، ويبقى الجوهـرُ”، بك وبأمثالك من المستحقِّين ترحِّبُ الجنَّة، لقوله تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾ صدق اللهُ العظيم”.
وتابع: “وفي وداعِك اليومَ أسمح لنفسي، ومن موقع مشيخة العقل، أن أَذكرَ ما منحتنا إيَّاه من لطفٍ وعطفٍ ومحبةٍ وتأييد منذ اللحظة الأولى التي شاء القدرُ فيها أن نتحمَّل مسؤوليةَ حفظِ الأمانة وأداء الواجب، ومنذ زيارتي الأولى لكم شعرتُ بأبوَّتكم الصادقة وأُخوَّتِكم الخالصة، ومنذ أن تشرَّفتُ باستقبالكم في ديارِنا وقبَّلتُ أياديكم الطاهرةَ الحاملةَ عطرَ السلف وشذا الأخوَّة التوحيدية، تذكّرتُ القولَ الفصلَ من الوصيَّة: “انصروهم ولا تخذلوهم”، إذ كنتَ لنا وإخوانك الأفاضل ونجلك الأديب الشيخ منهال خيرَ الناصرين الداعمين والداعين لنا بالتوفيق والسَّداد، والقابضين معنا على جمر المسؤولية وخدمة العِباد. وكما عاهدناكم بالأمس، نعاهدُكم اليومَ، ونحن نقتسمُ الحرقةَ وإيَّاكم في عاليه، بأنَّنا سنتابعُ المسيرةَ معاً بصدق العقيدة وصحة المسلك وسلامة النيَّة ووضوح الرؤية وثبات الإرادة، وفاءً لروح المرحوم الشيخ “أبو مسعود”، الذي عمَّمتْه محبةُ الناس وحسنُ ظنِّ الأتقياء العارفين قبل أن تُتوِّجَهُ يدُ سيِّدِنا وشيخِنا الجليل الشيخ أبو صالح محمد العنداري، وهو المستحقُّ الحقَّ بمسلكِه المحمود وتواضعِه المعهود، والمتقبِّلُ التكريمَ بأدبه الجَمِّ الرفيع، والمترفِّعُ عنه سعياً لوحدة الجميع. المشايخَ الأجلَّاء، الشخصياتُ الكريمة، أهلَنا الأفاضل، إنَّ ما نعيشُه اليومَ في بلادِنا وفي محيطِنا يدعونا إلى اليقظة، لا إلى القلق، وإلى التماسك والتلاقي، لا إلى التفكُّك والتباعد، وذلك ما يُوجبُ علينا كموحدين التعلُّقَ بأصول العقيدة ومبادئ المسلك، وبثوابت الهوية الروحيةلأهل المعروف والتوحيد، وأن نؤكِّدَ على الهوية الوطنية العربية الإسلامية التوحيدية للطائفة، متمسكين بإرثِنا الروحي والجهادي في مواجهة أي تهديدٍ أو تحدٍّ، مهما كان نوعُه وحجمُه، ثابتين في انتمائنا وفي هويّتنا وفي التزامِنا بالفرض وتجذّرِنا بالأرض ودفاعنا عن العرض. ويا شيخَنا الحبيب، يا من تركت الدنيا لتصل إلى الآخرة، وترفَّعت عن أهوائها لتكسبَ روحَك، وتخلَّيتَ عن حظوظ نفسَك لتربحَ حظَّ القَبول عند الله، نمْ راضياً مَرضيَّاً مطمئنّاً، لروحِك ألفُ رحمةٍ ورحمة، ولأهل بيتِك وعائلتِك الصغرى وعائلتِك الكبرى ولمحبِّيك جميعاً طِيبُ البقاء وحسنُ الولاء”.
وختم: “آجركم اللهُ جميعاً أيُّها الأخوةُ الأفاضلُ، وأعاننا وإيَّاكم للثبات على نهجه والاجتماع على كلمته والعمل الدؤوبِ لصَونِ رسالته والسيرِ على خُطاه. ولتبقَ دارُكم يا شيخنا الراحلَ دارَ طهارةٍ وتقوى، عامرةً بأهلها الطاهرين الأتقياء، “إذا عاد منها موكبٌ جاء موكبُ”، وإلى لدُنِ الله وكنفه السعيد يا شيخ أبا مسعود، وإلى مراكب الجهاد ومواكب العمل أيها الإخوةُ والأبناء لنحفظَ ما حفِظه الراحلُ الحبيب، ولنودِّعْه قائلين:عِشْ بعد موتكَ راضياً يا هــاني، واحيَ السعادةَ فهْيَ عُمرٌ ثاني، وارحلْ إلى حيثُ الخلودِ متوَّجـاً بعمامةِ التوحيد والإحسانِ. مشايخَنا الأجلَّاء، لكم منّا العَزاءُ والدعاء، ولروحه الطاهرة الرحمةُ والوفاء، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون”.
ثم طلب الشيخ أبي المنى من الشيخ جهاد الريّس إقامة الصلاة وأمّها الشيخ أبو صالح رجا شهيب.
ووصلت الى المأتم سلسلة من برقيات ورسائل التعزية من مراجع روحية وهيئات من سوريا والأردن وفلسطين وبلاد الاغتراب. كذلك اقيم موقف للشيخ الراحل في مقام النبي شعيب في فلسطين بمشاركة الهيئات الروحية والمشايخ.