مقالات
كارثة على هيئة “مواد اختيارية”.. أين مستقبل طلاب لبنان؟
كتبت بشرى ألّوس:
اعتدنا في السنوات الأخيرة أن نشهد في جدول موعد الإمتحان الرسمي “المواد الإختيارية”، كلمتان كفيلتان بأن تفرح قلب طالب وتحزن آخر سعى واجتهد ودرس ليعبر جسر الإمتحانات الثانوية ويصل إلى المرحلة الجامعية. لكن ما يجهله الكثيرون وما لا يدركه هؤلاء الطلاب حجم خطورة المواد الإختيارية، الأمر الذي يستدعي التدقيقَ في «الفاتورة» التي يمكن أن يتكبّدها هؤلاء الطلاب في المستقبل.
سلّط موقع صدى الضاحية الإلكتروني اهتمامه على هذا الملف الكبير، وناقشه مع عدد من مدراء المدارس وطلّاب الامتحانات الرسمية.
يشدّد الدكتور محمود جعفر رئيس الأكاديمية الدولية للبحوث والتدريب على جملة: “لا تلعبوا بالشهادة الثانوية”، ويكمل: “إن موضوع الإمتحانات الرسمية غير قابل للنقاش، فهو لا يقتصر على الساحة اللبنانية بل يتعدّاها إلى العالمية.إذ كلّ العالم متفق أن المرحلة الجامعية تتطلب اجتيازًا بنجاح لامتحانات الثانوية العامة”.
وتابع طرح هذه المشكلة التي بدأت حسب قوله في عهد الوزير السابق الياس بو صعب الذي أُجبِرَ بسبب ظروف على إلغاء الإمتحانات الرسمية، ومن جهة أخرى تساهل في منح الإفادات للطلاب المرحلة الثانوية . وما نتج عن هذه الإلغاءات سبّب ضياعًا كبيرًا في الإمتحانات الرسمية.
وما يزيد الطين بلّة، دخول السياسة خط الإمتحانات الرسمية فالدكتور جعفر صرّح لموقعنا أنّ: ” كلّ طرفٍ سياسي إعتبر نفسه هو الوصي على موضوع الإمتحانات الثانوية، غير مدرك لأهمية وقيمة ومكانة هذه الشهادة”.
أما تأثير الإفادات الرسمية كان سببًا في حرمان العديد من اللبنانيين على أنّ يكونوا ضباطًا في الجيش اللبناني أو العديد من الوظائف حتّى، فبعض القطاعات العسكرية والمدنية اللبنانية رفضت أنّ تعترف بالأشخاص الحائزين على إفادات بالشهادة الرسمية. وبالنسبة لنظرة المجتمع الدّولي لهذا الطالب الذي لا يملك شهادة الثانوية العامة الرسمية يفيد بالدكتور جعفر بأنّ هناك عدد من الطلاب اللبنانيين الذين رغم إنهائهم مرحلة الماجستير لم تعترف المؤسسات الدولية بشهاداتهم، ويعود السبب أنّهم نالوا مجرّد “إفادة ناجح” من دون إمتحانات ، فبنظر المجتمع الدولي أنّ الطالب الذي يحمل إفادة أنه لم يجتز المرحلة الثانوية.
ويصف الدكتور جعفر الأمر بالمعضلة :”ونحن اليوم فقدنا قيمة الإمتحانات الرسمية. المطلوب ليس موادًا إختيارية أو إلغاءً لهذه الإمتحانات ، إنما تنقيح ومراجعة بعض المواد والقيام بهذه الإمتحانات قدر المستطاع بغض النظر عن الظروف القاهرة. أما اليوم نحن نعيش في حالة شبه حرب تستدعي النظر في مواد اختيارية”.
■مدراء المدارس بين المؤيد والمعارض
يرى الأستاذ عبدالله المزاوي،مدير المدرسة الأميركية العالمية AUS في رياق البلدة البقاعية، أنّ إعادة المنهج التربوي كاملًا هو الحلّ الأنسب لعودة مجد القطاع التعليمي في لبنان ولكن، ضمن شروط وبطريقة ممنهجة ومناسبة غير عشوائية.
يقول الأستاذ الثانوي عبدالله: “لم تكن الرؤية واضحة منذ مطلع العام الدراسي حول مصير الإمتحانات الرسمية، الطالب كان يعيش حالة من الروتين والقرار المتبدل، فالقرار الصريح والمعلن غاب منذ بداية السنة الدراسية، ما جعل الأساتذة والطلاب يعيشون حالة ضياع إلّا أنّنا لم نبخل على الطالب بمعلومة أو نقصر معه في أي مادة.” ويضيف: “ما يميّز لبنان هو مستواه التعليمي المتقدم، وبات هذا التميّز يتراجع في السنوات الأخيرة”.
وأكمل: “لبنان اليوم في زمن الحرب بجنوب العزّة والصمود تحديدًا، نحن نعيش هذه الأحداث 《شئنا أم أبينا》، كلّ فردٍ بقاعيّ يساند شقيقه الجنوبيّ ويدفع معه ثمن صون الأرض والعرض. ولكن الجهاد في سبيل الأرض لا يعني أبدًا التقاعس في سبيل العلم”!
واعتبر الأستاذ عبدالله أن “الحرب ليست ذريعة لتقليل المواد أو لتخفيض مستوى الإمتحان الرسمي.” مشددًا على أنّ قرار توحيد الإمتحانات الرسمية في لبنان بين كافة محافظاته هو الأنسب، مؤكدًا أن الجامعات الخاصة لن تنظر إليه نظرة طالب جامعي كما طلاب باقي المحافظات.
“لبنان يبدأ من الجنوب”، جملةٌ كفيلة بأن تشرح مدى عمق مشاعر الأستاذ البقاعيّ بما يتعرض له أهل الجنوب. لكن رفضه للمواد الإختيارية حرصًا على مستقبل ابن بلده “المجهول” في بلدٍ كلّ من فيه يدفع ثمن التخاذل والتقاعس كرؤساء في تقديم واجبهم على أكمل وجه.
في نهاية اللقاء عبّر المزاوي عن أسفه لما يتعرض له أهل الجنوب من استهدافات تطال المدنيين ويحزن لخسارة أطفال وطلاب لم يشع نور المستقبل أمامهم فكانوا ضحايا جرائم الكيان الصهيوني: ” هل عاين وزير التربية المستوى التعليمي والنفسي لطلاب الجنوب، والمخجل أنّنا اكتفينا بدقيقة صمت حدادًا على أرواح الشهداء.” وأردف قائلًا:” نحن لا ننتظر أن نخسر أحد أبنائنا لنجعله يوم حداد وطني، ولكن على الأقل كنا نأمل أن تدعونا وزارة التربية . لتنظيم وقفة احتجاجية أمام المنطقة التربوية في بعلبك وزحلة حدادًا على شهداء الأطفال في الجنوب”.
واختتم حديثه ” كرامة للجنوب سنرفع صوتنا ونقول “وين رايح البلد” ، وإذا كانت الضمانات أنّ لا يتميّز ابن جنوبنا ولا يدفع ثمن المحسوبيات في بلدٍ يُحسب أنّه على قيد الحياة، نحن نقبل بتقليص المنهج والمواد الإختيارية”.
بدوره قال الأستاذ فرج زين بدران، مدير ثانوية المربي محمد فلحة الرسمية ميس الجبل، وهي واحدة من عشر ثانويات مقفلة في محافظة النبطية: “لا شك أن العدوان الغاشم قد أرخى بظلاله على كل مفاصل الحياة في لبنان لا سيما الجنوب العزيز وتحديدا” المدن والقرى المحاذية لفلسطين المحتلة. من بين القطاعات التي تأثرت ولا زالت قطاع التربية والتعليم بشقيه الرسمي والخاص”.
وتحدث عن معاناة الجسم التربوي طيلة سبعة أشهر خلت (التي تنطبق على كافة الثانويات والمدارس والمهنيات والمعاهد المقفلة في محافظتي النبطية والجنوب والواقعة على خط المواجهة عند الحدود مع فلسطين المحتلة): “غادرنا منازلنا وثانويتنا في ميس الجبل إدارة أساتذة وطلابًا وأهالي وتفرقنا بين عدة مناطق من لبنان. انتظرنا على أمل انتهاء العدوان والعودة وهذا ما لم يحصل فكانت النتيجة وضع نفسي متأزم-مستوى معيشي متدنٍ”..
إلّا وأنّ النار والرصاص لم يكن دافعًا أمامهم لتوقف التعليم أو عدم مزاولة المهنة، فلجؤوا إلى خاصيّة التعلم عن بعد بتوجيهات من وزارة التربية، لكن العوائق أبت أن تفارقهم فعانوا من:
-
عدم توفر الانترنت وإن وجد فشبكة غير مستقرة أو عجز العديد من التلاميذ عن الاشتراك به لإرتفاع تكلفته
-
عدم توفر أجهزة التعلم عن بعد
-
عدم توافر الكتب بين أيدي التلاميذ
-
إنقطاع الكهرباء
-
إرتفاع كلفة الاشتراك بمولد الكهرباء”.
لقد عانى الطلاب الجنوبيون من الحرب وأثرت عليهم بشكل سلبي، فهل يرغبون بإلغاء الإمتحانات الرسمية؟
يجيب الأستاذ بدران: “نحن لا نرغب ولا نسعى ولا نقبل بإلغاء الامتحانات الرسمية لطلاب الثانويات المقفلة، بل ونشدد على ضرورة إجرائها ولكن ضمن إطار واضح ومحدد ألا وهو: إمتحان خاص بهؤلاء الطلاب يأخذ في الاعتبار عدة أمور:
-
تقليص دروس خاص بمناهجهم
-
إعتماد المواد الاختيارية كما في العام الماضي
-
طرح أسئلة تراعي ظروف التعلم عن بعد(النفسية والتربوية والاجتماعية…)حيث أن التحصيل العلمي بالتعلم عن بعد في ظل الظروف النفسية التي يعيشها طلابنا لا يمكن أن يرقى الى مستوى التعليم الحضوري رغم كل الجهود المبذولة من الاساتذة والتلاميذ”.