كتبت صحيفة الأخبار تقول: تلقّت معادلة الردع الاستراتيجي التي فرضتها المقاومة في لبنان على العدو الإسرائيلي قوة دفع هائلة أمس مع تهديد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بإعادة الإسرائيليين إلى العصر الحجري.
أهمية هذا التهديد ليست في عبارته التي جاءت رداً على عبارة مماثلة هدّد بها وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت لبنان، وإنما بمضامينه ورسائله الكثيرة، إذ إن نصرالله كشف ضمناً، عن حجم القدرات الدقيقة التي تمتلكها المقاومة بما يجعلها قادرة على استهداف كل منشآت العدو الاستراتيجية على كامل تراب فلسطين المحتلة، وعلى تجاوز كل منظوماته الاعتراضية. المؤكّد أن الثقة والحزم اللذين أظهرهما نصرالله ستكون لهما تداعياتهما المؤثّرة لدى كل جهات التقدير والقرار في كيان العدو، خصوصاً أن رسائل الأمس تُعدّ من أهم المتغيّرات الكفيلة بقلب طاولة القرار السياسي والأمني، بعدما ارتقت معادلة الردع إلى أن أيّ مغامرة عسكرية في مواجهة حزب الله تساوي وجود الكيان، ما يقوّض مداميكه الاستراتيجية ويقلّص حدود ردعه ويكبح خياراته العدوانية.
وفي ما يتعلق بالداخل، حملت مواقف نصرالله تعليقاً على حادثة الكحالة رسائل عدة. وهو، وإن تعامل مع الأمر باستيعاب واحتواء لقطع الطريق على استغلاله من قبل جهات تبيّت للبنان والمقاومة شراً، واضعاً الحادثة في عهدة القضاء، حرص على تعرية هذه الجهات أمام اللبنانيين وخصوصاً المسيحيين محذّراً من أن ما يدفع إليه البعض هو حرب أهلية ستطاول أضرارها جميع اللبنانيين، وخصوصاً المسيحيين، وستؤدي كما قال الرئيس ميشال عون إلى سقوط الهيكل على الجميع. وشدّد على أن التقسيم الذي يدعو إليه البعض ويخطّط له لن يحصل حذّر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من أن «هناك زعامات سياسية ومعها وسائل إعلام تدفع البلد نحو الحرب الأهلية، وتعمل على التحريض في أكثر من ساحة».
وسأل: «هل مصلحة المسيحيين، بالدرجة الأولى، الذهاب إلى الحرب الأهلية؟»، مؤكّداً أن «الكل خاسر في الحرب الأهلية حتى القوي، لأنها تستنزف الجميع، وهناك كثير من الدول التي ستعمل على تسعير هذه الحرب من بينها إسرائيل». ولفت إلى أن «هؤلاء هدفهم إقناع الرأي العام اللبناني بأن الحل في لبنان هو التقسيم، لكن هذا لن يحصل لأنه يؤدي إلى خراب البلد»، داعياً «المسيحيين خصوصاً، وهم الذين عاشوا تجربة من هذا النوع، إلى التفكّر في ما إذا كان التقسيم خياراً».
وفي كلمة أمس في الذكرى السنوية الـ 17 للانتصار في حرب تموز، تطرّق نصرالله إلى حادثة الكحالة الأسبوع الماضي، وهي بدأت كـ«حادثة عادية، حيث تتعرّض شاحنات كثيرة لحوادث تؤدي إلى انقلابها»، مشيراً إلى أن الأمور «كانت طبيعية، وبقيت الشاحنة ثلاث ساعات من دون أي مشكلة إلى أن بدأت إحدى القنوات بالتحريض فجاء عدد من الشبان واعتدوا على الشاحنة والفريق المواكب لها».
وأضاف: «لولا التحريض الإعلامي الذي قامت به هذه القناة الخبيثة لما حصل ما حصل، وهي تتحمّل بالدرجة الأولى التداعيات المحتملة لما كان سيحصل في البلد وسفك الدماء والتحريض على القتل». وتابع: «منذ البداية عملنا على استيعاب الموضوع ولا نعتبر أن هناك مشكلة مع أهل الكحالة، ومن كانوا في ميدان الحادث معروفون وبعضهم من خارج الكحالة».
ولفت نصرالله إلى أنه «صدرت مواقف مسؤولة وخصوصاً في الوسط المسيحي تدعو إلى التهدئة ومنها موقف الرئيس ميشال عون، وهناك قوى سياسية دافعت عن المقاومة، وقوى أخرى غير حليفة تهيّبت الموقف ودعت إلى التهدئة، والشكر لهم جميعاً، والحادثة اليوم في عهدة القضاء». وأكّد أن «الشهيد أحمد قصاص استشهد دفاعاً عن المقاومة وجهوزيتها، والحادثة أكّدت مجدداً أن مؤسسة الجيش هي الضامنة للأمن والسلم والاستقرار، وإنْ كان البعض يريد الجيش كما يريده هو».
وأشار نصرالله إلى أن «الحوار مع التيار الوطني الحر جدي وإيجابي ويحتاج إلى بعض الوقت كونه يحتاج إلى التشاور مع بعض القوى السياسية، وهناك قوى سياسية لا تريد أيّ حوار بين اللبنانيين بل تريد تخندقاً واصطفافات وتعبئة».
وفي ما يتعلق بالصراع مع العدو، وتهديدات وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، شدّد نصرالله على أن «على الإسرائيليين أن يفهموا ما الذي يستطيع لبنان ومقاومته فعله بكيان العدو»، وأضاف: «أقول لقادة العدو، أنتم أيضاً ستعودون إلى العصر الحجري إذا ذهبتم إلى الحرب مع لبنان. وعلى العدو أن يحسب كم هو عدد الصواريخ الدقيقة التي تحتاج إليها المقاومة لضرب كل المطارات المدنية والعسكرية وقواعد سلاح الجو ومحطات توليد الكهرباء والمياه ومراكز الاتصالات الرئيسية والبنى التحتية ومصافي النفط ومفاعل ديمونا».
وتابع: «هذا إذا بقيت المعركة فقط مع المقاومة في لبنان، فكيف إذا تطورت مع كل محور المقاومة؟ عندها لن يبقى شيء اسمه إسرائيل. وعلى قادة العدو أن يعرفوا أنهم في هذه الساحة لا يلعبون لعبة نقاط، بل لعبة وجود وفناء». وشدّد على أن «المقاومة ستستعيد بقية النقاط الحدودية المحتلة، والمقاومة هي الذراع الحقيقية للبنان وشعبه، وكيان العدو اليوم أضعف مما كان عليه عام 2006 سياسياً وعسكرياً وشعبياً ومعنوياً، ومحور المقاومة أقوى بكثير مما كان عليه عام 2006. فالمقاومة خلال 17 عاماً كانت تراكم عناصر القوة ولم نتوقف عن ذلك في أي يوم منذ عام 2000 وبعد حرب تموز 2006». وأشار السيد نصرالله إلى أن «كل الإنجازات خلال السنوات الماضية ما كانت لتتحقق لولا البناء على نتائج الانتصار في حرب تموز 2006»، لافتاً إلى أنه «خلال أيام ستصل سفينة التنقيب إلى البلوك 9 في المياه الإقليمية الجنوبية وأمل اللبنانيين مشدود إلى حقل قانا الغازي وغيره. والضمانة الحقيقية ليستمر لبنان في التنقيب عن نفطه وغازه هي احتفاظه بكل عناصر القوة وبالمعادلة الذهبية، في مقدّمها قوة المقاومة والخوف من ردّ فعلها إذا أراد أن ينتقص من حقوق لبنان. وما يمنع العدو من الانتقاص من حقوق لبنان في ثرواته الطبيعية هو قوة لبنان وإدراك العدو أن أي محاولة لمصادرة حق لبناني ستقابل برد فعل قوي». وعزا نصرالله مسار التراجع الإسرائيلي إلى انتصار تموز «الذي شكّل مفصلاً في تاريخ جيش العدو، ومنذ ذلك اليوم بدأ الضعف والوهن يسريان في هذا الجيش. ومن يراقب الوضع الإسرائيلي منذ تلك الحرب يرى المسار الانحداري لهذا الكيان على أكثر من صعيد. فبعد 17 عاماً لم يستطع العدو معالجة آثار حرب تموز على كيانه وجيشه ومستواه السياسي والجبهة الداخلية. وفي المقابل، المقاومة تتصاعد في لبنان وفلسطين». واليوم، «العدو انتقل من الهجوم والمبادرة إلى وضعية الدفاع، ومحور المقاومة أمسك بزمام المبادرة بنسبة كبيرة».
إلى ذلك، نبّه الأمين العام لحزب الله إلى أنه يبدو أن هناك قراراً أميركياً بعودة «داعش» إلى العمل في مختلف الساحات.