اخبار اقليمية

المساعدات تحت سطوة البنادق!

تتزايد الشهادات والوثائق التي تكشف عن انتهاكات خطيرة بحق المواطنين الفلسطينيين في مواقع توزيع المساعدات التي تديرها ما تسمى بـ”بمؤسسة غزة الإنسانية”، بدعم من الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، وسط اتهامات بارتكاب أعمال قتل ميدانية ضد المدنيين الجوعى تحت غطاء “الأمن”، وسط تحذيرات لمنظمات حقوقية خشية تحوله إلى غطاء لانتهاكات جسيمة.

شهادات ميدانية، صور دامية، وأصوات نجاة خافتة، كلها تشير إلى جريمة مشتركة تنفذها القوات الإسرائيلية بدعم أمريكي مباشر، ليس فقط في التسليح والسياسة، بل أيضًا على الأرض، حيث يقف جنود بزي أمريكي في محيط مراكز توزيع المساعدات، ويشاركون في إطلاق النار على مدنيين جاءوا فقط بحثًا عن طحين، لا معركة.

وعلى إثر ذلك استشهد أكثر من 600 فلسطيني خلال محاولتهم الحصول على المساعدات، حيث يتم إجبار الغزيين على المفاضلة بين الموت جوعا أو برصاص الجيشين الأمريكي والإسرائيلي، وذلك بعدما أظهر تقرير لصحيفة “هآرتس” العبرية أدلة على استهدافهم عمدا من قِبل قوات الاحتلال.

وقد أكد ضباط وجنود إسرائيليون، أن أوامر إطلاق النار على المجوّعين صدرت عن قادة في الجيش لإبعاد الفلسطينيين عن مراكز المساعدات، وشددوا على أن الغزيين لم يكونوا مسلحين ولم يشكلوا أي تهديد لأحد، لكنهم مع ذلك تلقوا الأوامر بإطلاق النار.

يُذكر أن مراكز توزيع المساعدات أصبحت خلال الأسابيع الأخيرة مواقع استهداف مباشر بالقنص أو القصف الجوي.

مما حوّلها إلى بؤر موت يواجهها المدنيون العزّل أثناء سعيهم للحصول على الغذاء، في ظل شحٍ حادٍ بالمؤن الغذائية واستمرار انهيار النظام الإنساني في القطاع.

“شهادة صادمة” في شهادة خاصة بثّتها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، كشف متعاقد أمني سابق خدم في أربعة مواقع توزيع تابعة للمؤسسة الأمنية في غزة، عن وقوع انتهاكات خطيرة بحق المدنيين الفلسطينيين، شملت استخدام القوة المفرطة ضد أشخاص لم يشكلوا أي تهديد، وعن مشاهد صادمة تعكس ما وصفه بـ”ثقافة الإفلات من العقاب” داخل هذه المنشآت.

وقال المتعاقد إنه شاهد زملاءه يطلقون النار على مدنيين جوعى، بينهم نساء وأطفال وكبار سن، مشيرًا إلى واقعة استخدم فيها أحد الحراس رشاشًا من برج مراقبة لإطلاق النار على مجموعة تتحرك ببطء بعيداً عن الموقع.

وأضاف: “في حادثة أخرى، أطلق مقاول أمني يقف على ساتر ترابي نحو 15 إلى 20 طلقة على الحشد، مما أدى إلى سقوط رجل أرضًا دون حراك، وسط تعليقات ساخرة من زملائه”.

وأكد المتعاقد على أن إدارة الموقع تجاهلت تقريره حول هذه الحوادث، مدعية أن الرجل ربما تعثر أو فقد الوعي بسبب الإرهاق.

وأشار إلى أن هذه الوقائع تعكس ثقافة “الإفلات من العقاب” السائدة في تلك المواقع، حيث لا توجد قواعد اشتباك واضحة أو تعليمات تشغيلية منظمة، ونقل عن أحد قادة الفرق قوله: “إذا شعرت بالتهديد، أطلق النار للقتل، واسأل لاحقاً”.

ووصف المتعاقد البيئة السائدة داخل الفريق بأنها تفتقر إلى الالتزام بالضوابط الأخلاقية، حيث كان يُنظر إلى سكان غزة بـ”اللا إنسانية”، وتم وصفهم بـ”جحافل الزومبي”، في إشارة إلى التحقير من كرامتهم الإنسانية.

وتحدث المتعاقد عن أشكال أخرى من العنف، مثل استخدام القنابل الصوتية ورذاذ الفلفل، وحتى دفع المدنيين نحو الأسلاك الشائكة، ما أدى إلى إصابات خطيرة.

وروى أنه شاهد امرأة تُصاب في رأسها بقطعة معدنية من قنبلة صوتية أُطلقت بطريقة خاطئة، فانهارت على الأرض فاقدةً للوعي، دون أن يعرف مصيرها.

هذه الشهادة تسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى تحقيقات مستقلة وشفافة حول أداء الجهات الأمنية المشرفة على توزيع المساعدات في غزة، لضمان احترام حقوق المدنيين وحمايتهم من أي انتهاكات.

“دعوات لفرض عقوبات” رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، محمد جميل، كشف أن منظمته تقدمت بطلب رسمي إلى وزارة الخارجية البريطانية تطالب فيه بفرض عقوبات بموجب نظام العقوبات العالمية لحقوق الإنسان لعام 2020 (قانون ماغنيتسكي)، على عدد من المسؤولين في مؤسسة غزة الإنسانية (GHF).

إضافة إلى مسؤولي شركات أمنية متعاقدة معها، وذلك على خلفية اشتراكهم في عمليات قتل وإذلال الفلسطينيين في قطاع غزة عبر استغلال حاجتهم للغذاء.

وقال جميل في تصريح لوكالة “شهاب” للأنباء، إن “الطلب المقدم تضمن قائمة بالأسماء الكاملة للمسؤولين عن هذه الانتهاكات، من بينهم: جوني مور الابن (الولايات المتحدة)، ديفيد بابازيان (أرمينيا – مقيم في المملكة المتحدة)، لولِك صامويل هندرسون (الولايات المتحدة)، ديفيد كولر (سويسرا)، جيمسون غوفوني (الولايات المتحدة)، مدير شركة UG Solutions الأمنية، فيليب “فيل” رايلي (الولايات المتحدة)، مدير شركة Safe Reach Solutions الأمنية”.

وأوضح جميل أن “المؤسسة المذكورة أنشئت بدعم مباشر من الولايات المتحدة وإسرائيل، في سياق مشروع سياسي واضح يستهدف إخضاع السكان الفلسطينيين تحت الحصار، وإلغاء دور منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة والشركاء الإنسانيين التقليديين”.

وأضاف أن “المؤسسة أقامت أربع نقاط توزيع في قطاع غزة، لكن الواقع أظهر أن هذه المواقع ما هي إلا مناطق عسكرية مغلقة تخضع لإشراف جيش الاحتلال الإسرائيلي وشركات أمنية خاصة، وتحوّلت عمليًا إلى مصائد موت للفلسطينيين الباحثين عن الغذاء”.

وبيّن أن “الطلب الذي قدمته المنظمة إلى الخارجية البريطانية مدعوم بتقارير أممية وشهادات ميدانية، توثق ارتكاب جرائم إطلاق نار متعمد من قبل عناصر الاحتلال والمتعاقدين الأمنيين على المدنيين، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 600 فلسطيني وإصابة أكثر من 4000 آخرين بجراح متفاوتة منذ بدء عمليات التوزيع في 27 مايو/أيار 2025”.

وأكد جميل أن “الأدلة المتراكمة تشير إلى أن القائمين على المشروع تصرفوا إما بدوافع أيديولوجية لدعم الاحتلال، أو لتحقيق أرباح مالية على حساب معاناة سكان غزة، الذين يعانون من كارثة إنسانية مستمرة منذ أكثر من 21 شهرًا”.

وانتقد جميل ما وصفه بـ”الصمت المتعمد والمريب من مسؤولي المؤسسة”، قائلاً: “رغم كل هذه المجازر والانتهاكات الموثقة بالصوت والصورة، لم يصدر عن أي منهم بيان إدانة أو حتى استقالة، بل واصلوا إنكار الوقائع والادعاء بأن كل شيء يتم ضمن المعايير الإنسانية، وهو ما يعكس إصرارًا على مواصلة هذا النهج القاتل”.

ودعا المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية كافة إلى التحرك العاجل لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، والعمل على تفكيك المؤسسة، وإعادة تمكين الوكالات الأممية من أداء مهامها بعيدًا عن التسييس والتدخلات العسكرية.

“مطالبات أممية بالتحقيق” من جهتها، طالبت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بإجراء تحقيقات في استشهاد وإصابة الفلسطينيين الذين يحاولون الحصول على الغذاء عبر آلية توزيع الغذاء الحالية في غزة، وأكدت أن إيصال المساعدات يجب أن يكون آمنا وكريما ومتاحا للجميع.

واتهمت منظمة العفو الدولية الاحتلال الإسرائيلي باستخدام تجويع المدنيين سلاح حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وقالت إنها حولت طلب المساعدة إلى فخ مميت للفلسطينيين المجوعين.

ودعت المنظمة دول العالم إلى الضغط لرفع الحصار ووقف الإبادة الجماعية فورا، وأضافت “يجب وقف الدعم العسكري لإسرائيل وفرض عقوبات على مسؤوليها والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية”.

من جانب آخر، قالت المقررة الأممية لحقوق الإنسان في فلسطين إن إسرائيل مسؤولة عن واحدة من أكثر عمليات الإبادة وحشية في التاريخ الحديث، وأضافت أن “ممارسات إسرائيل في غزة ليست حربا، ولكنها حملة إبادة”.

ووصفت آلية تقديم المساعدات عبر مؤسسة غزة الإنسانية بأنها عبارة عن فخ موت مصمم لقتل أو تهجير السكان.

وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ينفذ جيش الاحتلال والولايات المتحدة منذ 27 مايو/أيار الماضي خطة لتوزيع مساعدات محدودة عبر “مؤسسة غزة الإنسانية”، وتستهدف قوات الاحتلال منتظري المساعدات بالنيران، مما يتركهم بين الموت جوعا أو رميا بالرصاص.

وحذرت وزارة الداخلية في غزة من التعامل مع مؤسسة غزة الإنسانية “ووكلائها المحليين والخارجيين تحت أي ظرف”، وقالت إن المؤسسة “لم تنشأ للإغاثة، وتحولت لمصائد موت، ومراكز إذلال وانتهاك ممنهج للكرامة”.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يرتكب الاحتلال الإسرائيلي بدعم أميركي مطلق إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 191 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.

المصدر : وكالة شهاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى