قبل يومين، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بصور شاحنات تنقل بضائع تجار بلدة ميس الجبل من مخازنهم في البلدة في ما وصفه بعضهم بـ«رحلة اللاعودة».
لكنّ ذاكرة الجنوبيين تزخر بصور عن عودة الأهالي محمّلين بأرزاقهم بعد كل تهجير منذ احتلال فلسطين.
مختار البلدة محمد حمدان يؤكد أن «تجار البلدة أخذوا ما يحتاجون إليه إلى المحال التجارية الجديدة التي فتحوها في أماكن نزوحهم، وأخذوا بعض ما يحتاجون إليه لمواجهة أعباء الحياة وإعادة بناء تجارتهم تمهيداً للعودة، كما فعلوا مراراً منذ بدء الاعتداءات الإسرائيلية عام 1948».
قبل اغتصاب فلسطين، ضمّ المستعمرون وفق اتفاقية سايكس – بيكو نحو 30 ألف دونم من أراضي شرق بلدة ميس الجبل إلى فلسطين، أي أكثر من نصف مساحتها المقدّرة بـ 54 كلم مربعاً، بما فيها مناطق السحلات، خلّة التينة، جل الشكارة، البويزية، المنزلة، بيت الدير، نوار، الخرفيشة، الحمدون، الملول، البغديديات، بير الغفر، رأس الطيحات، العريض، خلة المصرية، المنارة، المسارب، الغزارة، مرج نعي وغيرها.
كان «الميسيون» حينها يعتمدون في معيشتهم على الزراعة وتربية المواشي، وكانت فلسطين امتدادهم الطبيعي، فعملوا في مدنها من صفد إلى الحولة، وفي حيفا ويافا وطبريا والقدس وعكا، واستقرت فيها عائلات تركت البلدة من آل شقير وحيدورة وهزيمة… إلى أن حلّت النكبة.
في طبريا، ذبح الصهاينة ابن البلدة بشير شقير مع من لم يخرج من دياره من الفلسطينيين، وقصفت الطائرات الحربية ميس، ودخلتها العصابات الصهيونية وعاثت فيها تخريباً وقتلاً. وعلى مدى سنوات، نكّل الاحتلال بالميسيين، قتلاً وخطفاً، وشهدت البلدة موجات من التهجير الجماعي في أعوام 1948 و1967 و1973 و1978، وصولاً إلى عام 2006.
لجأ الميسيون إلى بيروت، وتحديداً مناطق النبعة وبرج حمود والدورة والكرنتينا وتل الزعتر التي عُرفت بحزام البؤس، وإلى أحياء البسطة والخندق الغميق والمصيطبة ورأس بيروت والمزرعة وصبرا وغيرها.
ساعد النازحون بعضُهم بعضاً و«عملوا حمّالين وبائعين متجوّلين للأدوات المنزلية قبل أن يصبحوا من كبار التجار في هذا الكار»، بحسب التاجر حسن زراقط.
وبحسب آخر إحصاء أجراه مركز الهادي الثقافي في ميس الجبل عام 2005، بلغ عدد المؤسسات التي يملكها أبناء البلدة وتنتشر في بيروت والضواحي والبقاع والجنوب نحو 400 مؤسسة لبيع الأدوات المنزلية والمفروشات والسجاد والبياضات وغيرها.
بعد التحرير، شهدت ميس الجبل نهضة عمرانية ضخمة، وتحوّلت إلى عاصمة تجارية للمنطقة الحدودية، وصارت مقصداً لتجار طرابلس والبقاع وفق التاجر أبو سمير حمدان، وأنفق أبناؤها أموالاً طائلة على بناء قصور وعشرات المؤسسات التجارية قبالة المواقع الإسرائيلية المحصّنة في العاصي والمنارة والعبّاد.
ويقول رئيس البلدية عبد المنعم شقير إن عدد أبناء البلدة يُقدر بنحو 30 ألف نسمة، يقيم منهم حوالي 8000 نسمة شتاء و15000 نسمة صيفاً. ويضيف: «أبناء البلدة الذين هُجّروا مراراً بسبب الاعتداءات الإسرائيلية، أصرّوا دائماً على العودة وفتح المؤسسات التجارية على الحدود، حتى ذاع صيتهم في كل أنحاء الوطن.
وتوجد في البلدة مصانع ومعامل ومصالح متنوّعة. في الحرب الحالية دمّر العدو العديد من الوحدات السكنية والمحالّ التجارية، وتُقدّر الخسائر المالية بملايين الدولارات، لكن ذلك لن يعيق عودة الأهالي والتجار الى البلدة بعد انتهاء الحرب».
ولفت إلى أن ما أخرجه التجار من بضائع أخيراً هو لتيسير أمورهم من أجل الصمود»، فيما يؤكد المختار حمدان أن «المصانع والمعامل لا تزال في البلدة بانتظار العودة القريبة والبدء بإعادة تشغيلها».