كتبت “البناء” تقول: بعد يوم واحد على البيان الذي وقعه الرئيس الأميركي جو بايدن، وطلب الى أمير قطر والرئيس المصري توقيعه معه، باعتباره موقفاً موحداً للوسطاء يقول إن هناك اتفاقاً جاهزاً حول غزة، لا ينقصه إلا الاتفاق على ترتيبات التنفيذ، وتوجيه الدعوة لكل من حكومة الكيان وقيادة حماس إلى جولة مفاوضات الخميس المقبل، لإنجاز الاتفاق نهائياً، بدأ يذبل ما ظهر من اندفاعة أراد البيان الإيحاء بها، خصوصاً أنه لم يكن خافياً ما قالته هيئة البث الإسرائيلية علناً من علاقة بين موعد التفاوض المقترح في البيان والسعي للتأثير على مواعيد ردّ كل من إيران وحزب الله على انتهاك كيان الاحتلال لخطوط حمراء عبر غاراته على عاصمتي لبنان وإيران وقتل قائدين كبيرين فيهما، بينما قالت إيران إن أولويتها تبقى التوصل الى اتفاق حول غزة تقبله حماس، لكن بصورة منفصلة عن قيام إيران بواجبها بالرد العقابيّ على الاعتداءات التي طالت العاصمة الإيرانية طهران واغتيال القائد الكبير في المقاومة إسماعيل هنية.
على الضفة المقابلة تكفل بنيامين نتنياهو بإفراغ مبادرة الوسطاء من قوة اندفاعها عندما أعلن أنه سيرسل وفداً تفاوضياً لكن للتفاوض على كل الاتفاق بنوداً وإطاراً وليس لبحث التنفيذ فقط، كما قال البيان، وهذا يعني كما تقول مصادر فلسطينية متابعة لمسار التفاوض احتمال تحول المفاوضات الى منصة لشراء الوقت وإجهاض رد المقاومة، دون نية التوصل إلى اتفاق، ودون وجود إرادة أميركية لممارسة أي نوع من الضغط على نتنياهو للقبول بالتوصل إلى اتفاق، فما يظهر هو أن واشنطن تريد التفاوض مكافأة لنتنياهو وليس تعويضاً وكفارة عن ارتكاباته، ودعوة له ليدفع في السياسة ثمن أفعاله العدوانية.
بينما لا توجد أي إشارات الى استعداد نتنياهو والأميركي من خلفه بكل ما حشده من قوة عسكرية تحت شعار حماية الكيان من الردود، لملاقاة شروط المقاومة في اتفاق يلبي مطالبها، تظهر المواقف داخل الكيان بالتحدث عن موازين قوى جديدة بعد الضربات التي نفذها جيش الاحتلال في بيروت وطهران، ما يعني رفع السقوف التفاوضيّة لنتنياهو، بعدما تكفلت سقوفه الأدنى بالتسبب بإفشال كل المسارات التفاوضية السابقة.
تبدو بالمقابل، قيادة حماس الجديدة بقيادة يحيى السنوار في موقع استكشاف مضمون الدعوة التفاوضية وخلفياتها، رغم تمسك المقاومة بالسعي إلى اتفاق عبر المفاوضات، والتدقيق بخلفيات الدعوة وسياقها وطلب المزيد من الإيضاحات رافقته مبايعة قوات القسام لرئيس الحركة يحيى السنوار، كما قال بيان الناطق بلسان القسام أبو عبيدة، بينما المقاومة ترفع وتيرة العمليات في غزة وشمال فلسطين المحتلة.
فيما تشير الأجواء والمعلومات الأميركية والغربية الى اقتراب رد محور المقاومة سارعت الولايات المتحدة الأميركية الى تحديد موعد لإعادة استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لوقف إطلاق النار في غزة عبر بيان أميركي مصري قطري حدّد ١٥ آب المقبل موعداً لجولة مفاوضات جديدة، وذلك لوقف رد المقاومة بذريعة أن الرد المتوقع سيُطيح بالمفاوضات ويشعل الحرب الإقليمية.
إلا أن مصادر مطلعة على موقف المقاومة أكدت لـ«البناء» أن الرد بات حتمياً وبعدها يمكن النقاش والتفاوض مع محور المقاومة حول مساعي التهدئة ووقف التصعيد وتفادي توسّع الحرب بكل المنطقة.
وشكّكت المصادر بالنيّات الأميركية بالضغط الجدّي لوقف إطلاق النار في غزة وما مسارعة واشنطن لتحديد ١٥ آب موعداً لجولة تفاوض جديدة إلا من باب المناورة لتعطيل رد المقاومة او التخفيف من حجمه وآثاره ومن ثم تمييع المفاوضات وتمرير الوقت وإفقاد وهج الرد وبعدها يتكفّل نتنياهو بعرقلة المفاوضات وتحميل حركة حماس مسؤولية إجهاض المفاوضات، وبالتالي تحميل محور المقاومة مسؤولية اي تصعيد.
ولفتت المصادر الى ان الرد سيكون مؤلماً ورادعاً ويحدث صدمة كبيرة في كيان الاحتلال ليتوقف عن عدوانه وتجاوز الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك.
ولفتت أوساط سياسية لـ«البناء» إلى أن الأميركيين يحاولون توظيف عمليات الاغتيال التي نفذها جيش الاحتلال في الضاحية الجنوبية وطهران من خلال منع محور المقاومة من الردّ للسماح لـ«إسرائيل» بترميم جبهتها الداخلية واستعادة جزء من هيبتها وقوة ردّها وفرض قواعد اشتباك جديدة على المقاومة، ومن جهة أخرى إظهار محور المقاومة أنه ضعيف ولا يجرؤ على الرد وأيضاً لزرع الخلاف بين أطراف محور المقاومة، ولهذا السبب محور المقاومة حسم الرد والتوقيت مرهون بالميدان. ولفتت الأوساط الى ان الرسائل الخارجية التي وصلت الى لبنان لم تنجح بثني حزب الله عن تقديم أي وعد بتخفيف حدّة الرد، وقد كان الموقف اللبناني متماهياً مع موقف المقاومة بتحميل العدو الإسرائيلي مسؤولية العدوان وأن من حق لبنان الدفاع عن نفسه.
وتواصلت الحرب النفسية الأميركية الإسرائيلية على لبنان، فيما استمرت حالة الاستنفار والذعر في كيان الاحتلال بانتظار ردّ المقاومة.
إذ نقلت شبكة «أي بي سي» عن مسؤول دفاعي إسرائيلي، قوله إن «جيشنا ينسّق مع البنتاغون للتحضير لسيناريوات الردّ على إيران وحزب الله»، معتبراً أن «أحد الخطوط الحمراء بالنسبة لنا سيكون التعرّض لهجوم يستهدف المدنيين».
وشدّد المسؤول على أن «لا مصلحة لنا في الحرب أو التصعيد، لكننا لن نتسامح مع الهجمات على مواطنينا».
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن «سكان البلدات الحدوديّة مع لبنان مطالبون بالبقاء قرب الأماكن الآمنة حتى إشعار آخر».
وفي وقت سابق، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي أن «إسرائيل» في حالة استنفار قصوى، مشيراً إلى أن الجيش يعرف كيف يشنّ هجوماً سريعاً في كل مكان.
بدورها أشارت صحيفة «معاريف» العبرية إلى أن التحدّي الذي يواجه قيادة الجبهة الداخليّة هو كيفيّة تحذير الجمهور في وقت معقول من هجوم، وفي الوقت نفسه السماح بحياة طبيعيّة في «إسرائيل»، موضحة أنّه من المفترض أن يتمّ تنفيذ التحذير كما تمّ تنفيذه في الأيام القليلة الماضية في الشمال: تحذير للجمهور باستمرار قربه من الأماكن المحمية، أو تحذير للجمهور بتجنب الحركة في الأماكن المفتوحة في مناطق معينة.
ولفتت إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعدّ لعدة سيناريوات للهجوم: من لبنان، من إيران، ومزيج من الهجوم من الجبهتين وأكثر من ذلك، مشيرة إلى أنه «في الأسبوع الماضي، قام الجيش الإسرائيلي بتشغيل سلسلة من أنظمة الاستخبارات وأنظمة التنبؤ وأنظمة الكشف الجوّي والاعتراض الجوّي، وفي الوقت نفسه، زاد الجيش من استعداداته على الحدود الشماليّة لمواجهة سيناريوات هجوم إضافية».
ورأت هيئة البث الإسرائيلية، أنّ الاجتماع المرتقب الخميس المقبل في 15 آب هو اجتماع الفرصة الأخيرة بشأن وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بين «إسرائيل» وحركة حماس.
ونقلت عن مصادر مطلعة، قولها إنّ «البيت الأبيض حدد موعد الجولة المقبلة للمفاوضات على أمل إبداء الجانبين مرونة كبيرة»، مضيفة «من الممكن أن يكون احتمال تنفيذ حزب الله هجومه قد أثر على موعد الاجتماع».
وذكرت المصادر أنّه «من المتوقع أن يكون الاجتماع بالدوحة ولم يحدد المكان حتى الآن بشكل نهائي»، لافتة إلى أنّ «من المتوقع أن يرأس رئيس الموساد الوفد الإسرائيلي».
رسمياً، أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان أن «الحكومة اللبنانية ترحب بالبيان المشترك لقادة مصر وقطر والولايات المتحدة الأميركية الذي أكد ضرورة وضع حد فوري لمعاناة الفلسطينيين في قطاع غزة والتوصل الى وقف لإطلاق النار وإبرام اتفاق للإفراج عن الرهائن والمعتقلين، ودعوته طرفي النزاع لاستئناف المناقشات العاجلة لتذليل العقبات المتبقية أمام التوصل الى الاتفاق المنشود».
أضافت: وتؤكد الحكومة، «أن ما تضمنه بيان القادة الثلاثة يجسد رؤية لبنان لخفض التصعيد في المنطقة ونزع فتيل اشتعال حرب إقليمية شاملة، انطلاقاً من خطوة أولى أساسية هي الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2735 المبني على مباردة الرئيس الأميركي جو بايدن».
وختم البيان: «وإذ تشكر الحكومة اللبنانيّة قادة الدول الثلاث على الجهود الكبيرة التي يبذلونها لإيقاف دوامة العنف في المنطقة، تشدّد على ضرورة ممارسة أقصى الضغوط على «إسرائيل» لإلزامها بالجلوس الى طاولة المفاوضات وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2735، من دون أي تأخير، باعتبارها الجهة التي تسعى للتصعيد وتضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
بدوره، اجتمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، الذي قال:
تدعم الحكومة اللبنانية البيان المشترك الصادر عن الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومن الضروري تقديم الإغاثة الفورية للشعب الفلسطيني في غزة وللرهائن وعائلاتهم الذين تحمّلوا معاناة هائلة. إن الجهود التي بذلها القادة الثلاثة والجهات المعنية في دولهم لوضع «اتفاق إطار» تستحق الثناء.
وتقدّر الحكومة اللبنانية أهمية إنهاء اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين استنادًا إلى المبادئ التي وضعها الرئيس بايدن وأقرّها القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي تحت الرقم 2735».
أضاف: «تعتبر الحكومة اللبنانية أن لا مجال للتأخير الإضافي، وتحض كل الأطراف المعنية على تسريع عملية إطلاق الرهائن، وبدء وقف إطلاق النار، وتنفيذ الاتفاق من دون تردّد. كما تعتزم الحكومة اللبنانية دعم وتقديم مقترح جديد لاستكمال تنفيذ البنود الأخرى بطريقة ترضي جميع الأطراف المعنية. تنضم الحكومة اللبنانية إلى الدعوة لاستئناف المناقشات العاجلة يوم الخميس، 15 آب، في الدوحة أو القاهرة لإنهاء الاتفاق وبدء تنفيذه على الفور». وختم بوحبيب: «حان الوقت للتصرّف بحزم والوفاء بالتزاماتنا لإحلال السلام وإعانة الأفراد المحتاجين والمتأثرين بالأحداث الجارية وعودة الهدوء الى المنطقة».
على صعيد آخر ذكرت السفارة الأميركية في بيروت، أنها «تشجع الراغبين في مغادرة لبنان على حجز أي تذكرة متاحة لهم، حتى لو لم تغادر تلك الرحلة على الفور أو لم تتبع مسارهم المفضل». وأضافت: «نوصي المواطنين الأميركيين الذين يختارون عدم مغادرة لبنان بإعداد خطط طوارئ للتعامل مع المواقف الطارئة والاستعداد للبقاء في أماكنهم لفترة طويلة من الزمن».
وفي السياق، اعلنت الحكومة القبرصيّة عن استعدادها للمساعدة في إجلاء المدنيين الأوروبيين من لبنان.
إلى ذلك، أشار النائب السابق أمل أبو زيد، خلال احتفال لمناسبة مرور 80 عامًا على تبادل العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وروسيا في موسكو، بحضور الممثل الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، إلى أنّ «العلاقة التي تجمع بين لبنان وروسيا قديمة وحميمة، وقد بدأت في عهد القيصر إيفان الرهيب عندما قدّمت موسكو مساعدات سخيّة للكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية، وفي لبنان أبناء لها وإكليروس ومؤسسات متنوعة. ثم اتسع نطاق المساعدات ليشمل جميع مسيحيي الشرق بلا استثناء. بل إن الشعب الروسي العظيم ضحّى بنخبة من أبنائه لتحرير اللبنانيين من الاحتلال التركي.
وتحتضن مقبرة مار متر في الأشرفية رفاة الجنود الروس الذين استشهدوا في بيروت».