لم يكن خافياً أن قرار لبنان رفع سقف خطابه أمام مؤتمر بروكسيل، ورفضه للقرار الأوروبي الممتنع عن دعم العودة الآمنة للاجئين السوريين، لم يكن بعيداً عن خلاصات حركة الاتصالات العربية التي أجراها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أولاً، ثم وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب لاحقاً مع نظرائه العرب على هامش المؤتمر، حيث بات واضحاً أن دول الجوار المضيفة للاجئين بدأت تشعر بحجم الأعباء الملقاة على مجتمعاتها واقتصاداتها مع مرور السنوات، وتبيّن تعذر الوصول إلى الحل السياسي الذي ينادي به المجتمع الدولي عموماً والأوروبي على وجه الخصوص للأزمة السورية، ما أدخل الملف في بازار المزايدات ليغدو بنداً أساسياً على طاولة المفاوضات لأي تسوية سياسية محتملة في المستقبل.
لا يجد لبنان في الأسرة الأوروبية أي ضمانات تأخذ في الاعتبار تلك المخاطر، ولا سيما أنها تذهب أبعد لتشكل تهديداً وجودياً وديموغرافياً، فكان اللجوء إلى الأسرة العربية ولا سيما تلك المعنية مباشرة بملف اللجوء وتعاني من الأضرار وإن بنسب متفاوتة، باعتبار أن لبنان يشكل المجتمع المضيف لأعلى نسبة من اللاجئين باتت تقترب من ٥٠ في المئة من مجموع اللبنانيين. ارتكزت محادثات الوزير بو حبيب، وقبله ميقاتي، على تطوير مقترح تشكيل لجنة عربية تضم الدول المعنية، أي لبنان والأردن والعراق ومصر وسوريا، في مسعى إلى إعادة إحياء اللجنة الخماسية المنبثقة عن توصيات القمة العربية الاستثنائية المنعقدة في الرياض العام الماضي والرامية إلى بحث ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
وهو كان التقى نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، لهذه الغاية حيث تناول البحث أوضاع النازحين السوريين في كل من العراق ولبنان. وقد دعا الى تشجيع اللجنة الخماسية العربية على المستوى الوزاري لملاقاة الجهود الدولية. وفيما تعوّل أوساط السرايا على نجاح عمل هذه اللجنة رغم أنها ستتحول إلى ثلاثية مقتصرة على الأردن ومصر ولبنان، فإن مصادر سياسية شككت في إمكان الوصول إلى أي نتائج ملموسة لأكثر من سبب، مشيرة إلى أن الحكومة تسعى إلى الاحتماء بالأسرة العربية لتكون معبراً لاستعادة التواصل مع سوريا من ضمن رعاية عربية لا من خارجها، خصوصاً أن لبنان يعاني ممّا يشبه المقاطعة العربية على خلفية مواقف رسمية داعمة لحلف الممانعة في وجه الموقف العربي. وقد استمرّت هذه المقاطعة وإن بأشكال وأوجه مختلفة منذ عهد الرئيس الأسبق ميشال عون ومواقف وزيره جبران باسيل.
أما أسباب الاحتمالات العالية لعدم نجاح المبادرة العربية المرتقبة، فتعزوها المصادر إلى مرجعين، الأول سوري، سيعارض أي مساعي لإعادة السوريين، نظراً إلى المكاسب المحققة اقتصادياً ومالياً بفعل التحويلات والمساعدات المالية المرصودة لهؤلاء، والتي تصبّ في غالبيتها داخل سوريا، والثاني أوروبي حيث لا تزال دول الاتحاد بقيادة فرنسا وألمانيا متمسكة بمواقفها السياسية في الدرجة الأولى من النظام، والاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية المتصلة بمخاوفها من تدفقات الهجرة غير الشرعية في اتجاه دولها.
في الغضون، ستستمر الحكومة في عملها على خطين، أولهما تنفيذ الإجراءات الأحادية المتخذة من قبلها إما للترحيل وإما لتنظيم الوجود السوري على الأراضي اللبنانية، أما الخط الثاني فيتمثل بفتح خطوط التواصل مع دمشق من خلال اللجنة الوزارية التي قرر مجلس الوزراء تشكيلها في جلسته الأخيرة وسيترأسها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، على أن يعقد المجلس جلسة لاحقة لوضع آليات التنسيق والتواصل المقبلة.