لم تكن نتيجة الانتخابات النقابية في نقابة المهندسين في بيروت الا دليلا اضافيا على أن” التيار الوطني الحر” و”حزب الله” لا يزالان متحالفين في العمق، بالرغم من كل الخلافات الحادة التي سيطرت على علاقتهما في الاشهر الماضية، اذ ان حارة حريك لم تتردد في الدعم الكامل لمرشح “التيار” على منصب النقيب فادي حنا الذي تربطه، وبشكل شخصي، علاقة ايجابية بالحزب، وهذا التحالف والتلاقي الذي انضمت اليه “حركة أمل”أدى الى فوز حنا بالمعركة النقابية بشكل صريح.
وجد “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل أن لا بدائل لديه على الساحة الداخلية، فالقوى المسيحية المعارضة للحزب لم تثق بعد بالتحول السياسي الذي تقوم به ميرنا الشالوحي ولا تزال تتعامل معه على القطعة، وفي الوقت الذي يحاول فيه استمالة “القوات اللبنانية” تتعامل معراب معه كخصم لدود يجب إضعافه إلى أقصى الحدود، ولعل البرودة التي ظهرت من القوات تجاه “التيار” الذي وقف معها سياسياً واجتماعياً في قضية مقتل منسق جبيل باسكال سليمان، خير دليل على ذلك.
يدرك “التيار” أنه خسر شعبياً إلى درجة لم يعد فيها قادراً على التعامل مع الساحة المسيحية من دون تحالفات، اذ ان خسائره ستكون كبيرة جداً في اي انتخابات بلدية او نيابية في ظل سعي خصومه للتكتل ضده، سواء أكانت “القوات اللبنانية” أو “الكتائب اللبنانية” وحتى التغييريين، وعليه فهو يحتاج الى دعم من خارج الساحة المسيحية، وفي الوقت الذي تبدو الساحة السنيّة مقفلة بالكامل أمام اي تقارب مع رئيس “التيار” جبران باسيل تحديداً، يصبح الحلّ الوحيد هو ترميم العلاقة مع “الثنائي الشيعي”.
معرفة “التيار” بحجم المأزق الذي وجد نفسه فيه لا تجعله قادرا على العودة الى حضن “حزب الله” بسرعة، لان الامر سيؤدي الى خسارته بشكل كبير على المستوى الشعبي خصوصا ً وان الحالة العونية، بغالبيتها العظمى، باتت تعارض اي تقارب مع الحزب، من هنا جاء التحالف النقابي الذي يحمل معاني سياسية، حتى لو سعت الاطراف الى نزع هذه الصفة عنه، فبدل أن يسعى “حزب الله” إلى الإنتقام من “التيار” نقابياً قرر ان يعومه ويسعى الى تأمين إنتصار كامل الاوصاف لمرشحه.
وعلى غرار ميرنا الشالوحي، فانه لا خيارات واضحة امام الحزب مسيحياً، اذ ان التخلي عن “التيار الوطني الحر” لن يفتح امام حارة حريك باب التحالف مع “القوات اللبنانية” حتى لو ارادت معراب ذلك، فحجم الخلاف الاستراتيجي بين الطرفين يجعل من المستحيل في مكان الاتفاق حتى على القضايا التكتيكية، وعليه فإنه كما حصل في انتخابات نقابة المهندسين، ووجد الحزب أنه مضطر لدعم “التيار” خوفاً من فوز القوات، سيحصل الامر ذاته في اي انتخابات مقبلة يكون لها طابع سياسي.
سيبقى “التيار والحزب يسعيان إلى تحسين شروطهما التفاوضية في المرحلة المقبلة حتى يحين موعد التسوية، بينهما اولاً وفي البلد ثانياً، وعندها سيجدان أنهما مضطران لاستعادة التقارب السابق وخوض المعركة السياسية سوياً، أقله من معيار مصلحي بحت، وهذا ما مهدت له الانتخابات النقابية. سيتعامل “التيار” في المرحلة المقبلة مع جمهوره لكي يلزمه بتقبل العودة الى التحالف مع “الحزب” الذي سيتعامل بليونة مطلقة مع كل مواقف “التيار” السابقة التي صوبت عليه خلال ذروة المعارك مع اسرائيل.