في ما يعكس جدية المخاوف الغربية من احتمال قيام إسرائيل باشعال حرب واسعة على لبنان، تقدمت الجهود الفرنسية والأميركية المبذولة لمنع قيام بقعة توتر وتفجر جديدة في الشرق الأوسط على كل التطورات المحلية بما فيها الاهتزازات الاجتماعية والمالية العائدة بقوة الى أولويات اللبنانيين سواء في الملف التربوي ام في ملف “الشعوذات” المالية المهينة للمودعين تحت شعار العمل لاعادة حقوقهم.
وفي اطارالسباق بين المساعي الديبلوماسية والتصعيد الميداني، افادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين انه بعدما كشف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ان فرنسا والولايات المتحدة تعملان معا للسعي لتجنب توسيع تصعيد الحرب من غزة الى لبنان، أوضحت مصادر فرنسية متابعة للموضوع لـ”النهار” ان هذا العمل يتم عبر التنسيق الكامل بين مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا السفيرة ان كلير لوجاندر والمستشار الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين من اجل العمل على قيام الجانبين اللبناني والإسرائيلي بخطوات متزامنة في اتجاه أساسي هو احترام قرار مجلس الامن ١٧٠١ الذي ينتهك حاليا من كلا الجهتين الإسرائيلية و”حزب الله” معا، وأيضا من اللبنانيين الذين لا ينفذون واجباتهم.
فباريس تطلب من “حزب الله” ان يترك الخط الأزرق ويتراجع لاسباب براغماتية لان الحزب يقصف إسرائيل بصواريخه بعمق عشرة كيلومترات واذا تراجع بمقدار هذه المسافة عندئذ لن يصيب القصف الصاروخي داخل إسرائيل. ثم هناك مشكلة مهمة هي نشر الصواريخ في جنوب الليطاني فينبغي ان يتوقف فورا القصف بالصواريخ نحو داخل إسرائيل. كما ان باريس تطالب إسرائيل بعدم خرق السيادة اللبنانية وان تتوقف عن انتهاك الأراضي اللبنانية.
كما تطلب باريس من إسرائيل ولبنان احترام مهمة اليونيفيل وإعادة اطلاق الآلية الثلاثية التي تتيح إدارة الاحداث على طول الخط الأزرق بين الجيشين الإسرائيلي واللبناني كما تطالب الجيش اللبناني بان ينتشر جنوب الليطاني رغم ان فرنسا مدركة ان الجيش اللبناني غير قادر على المواجهة مع “حزب الله”، ولكنها مستعدة لمساعدة الجيش اللبناني لانتشاره على الأقل جزئيا جنوب الليطاني. وتطالب باريس “حزب الله” بحزم ان يتيح لـ”اليونيفيل” القيام بدوريات في القرى دون التعرض لجنود قوات حفظ السلام .
واللافت ان باريس ترى ان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي اخطأ عندما ربط وقف اطلاق النار في الجنوب اللبناني بوقف القتال في غزة اذ تبنى حجة “حزب الله” اذ على رئيس الحكومة اللبناني ان يلعب دوره ويهتم بأمن لبنان وهي مدركة لقيوده وتحترمها، ولكنها تعتبر انه ينبغي ان يكون امن لبنان الأولوية لديه على ان ينعكس ذلك في خطابه العلني ليظهر ضرورة متطلبات امن البلد، ولا يمكن “حزب الله” ان يضع لبنان واللبنانيين في خطر بسبب الازمة بين حماس وإسرائيل.
وترى باريس انه ينبغي ان تترافق الجهود الاميركية الفرنسية مع التزام لبناني فاذا استمر “حزب الله” بقصفه ورئيس الحكومة اللبناني في تصريحاته بهذا الشكل، فالاعتقاد في باريس ان إسرائيل ستشن عندئذ هجوما على لبنان ولذا تحذر فرنسا الجانب اللبناني من تقليل احتمال نية إسرائيل بالهجوم على لبنان.
اما في شأن مهمة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان الموكلة اليه من الرئيس ايمانويل ماكرون فحسب باريس هو مستمر في هذه المهمة المحصورة في دفع الأطراف اللبنانيين الى انتخاب رئيس للجمهورية وهوحاليا في السعودية للتنسيق مع المسوؤلين في المملكة ومع دول اخرى .
تصعيد التهديدات والغارات
في أي حال تأتي هذه المعطيات وسط تصعيد لافت للغارات الإسرائيلية على المناطق الحدودية الجنوبية امس فيما أوردت صحيفة “واشنطن بوست”، نقلاً عن مسؤولين غربيين ولبنانيين، أنّ إسرائيل هدّدت بتصعيد قتالها مع “حزب الله” إن لم يتمّ الاتفاق خلال أسابيع”. وقال المسؤولون المطّلعون على المحادثات للصحيفة إنّ إسرائيل كانت تتطلع إلى نهاية الشّهر الجاري كهدفٍ للتوصل إلى اتفاق. ولم يحدّد الإسرائيليون “موعداً نهائياً صارماً” لتصعيد حملتهم العسكرية ضدّ الحزب، حسبما صرح مسؤولٌ أميركيٌّ كبير للصّحيفة المذكورة، لكنّه أقرّ بأنّ نافذة المفاوضات تضيق.
وأطلقَ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت تهديداً جديداً ضدّ “حزب الله”، معلناً أن إسرائيل ستعيد الأمن إلى المنطقة الحدودية مع لبنان من خلال العمل العسكري إن لم يتم التوصل إلى إتفاقٍ ديبلوماسي. وفي تصريحٍ له خلال زيارته اللواء الثامن في الجيش الإسرائيلي عند الحدود الشمالية، قال غالانت: “أقدر أنه طالما إستمر القتال في غزة، فسيكون هناك قتالٌ في الشمال عند الحدود مع لبنان، ولن نقبل أن يدوم هذا الأمر لفترات طويلة”. وتابع: “إن لم يتم التوصل إلى إتفاق يحترم فيه حزب الله حق السكان في العيش هنا بأمان، فسنضطر لفرض الأمن بالقوّة”.
وبدأ التصعيد امس مع غارات للطيران الحربي الإسرائيلي على جبل بلاط بالقرب من رامية، ثم استهدف نقطة في عيتا الشعب بعدد من الصواريخ كما استهدفت المدفعية بعدد من القذائف اطراف حولا وخلة الرخمة وأطراف الضهيرة. ثم شن الطيران الاسرائيلي غارتين على كفركلا واستهدفت المدفعية الاطراف الغربية لبلدة ميس الجبل وتعرضت اطراف بلدتي رامية وبيت ليف لقصف مدفعي.
وشن الطيران الحربي الاسرائيلي غارات متتالية، وقام بتنفيذ 12 غارة جوية كما قام بشن غارات عنيفة استهدفت جبل بلاط واحراج بلدة رامية وخلة وردة عند اطراف عيتا الشعب والقت الطائرات المغيرة عددا كبيرا من الصواريخ من نوع جو ارض احدثت اضرارا بيئية واسعة في المنطقة المستهدفة من الاحراج، حيث أتلفت مساحات واسعة من الأشجار، وتعرضت وادي ابو غبرة عند الاطراف الجنوبية لبلدة كفرصير في قضاء النبطية، لسقوط قذيفتين مدفعيتين. واشارت إذاعة الجيش الاسرائيلي الى اعتراض طائرة مسيرة من لبنان في منطقة عكا دون تفعيل صفارات الإنذار.
في المقابل، اعلن “حزب الله” انه استهدف انتشاراً للجنود الإسرائيليين بين موقعي السماقة والرمثا في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بصاروخ بركان كما استهدف انتشارا لجنود إسرائيليين في محيط قاعدة خربة ماعر بصاروخ بركان وتجمعا ثالثا للجنود في جبل نذر .
المعارضة والحكومة
اما في التداعيات الداخلية للوضع المتدهور على الحدود الجنوبية فاستمر تصاعد الانتقادات من جهة المعارضة لموقف الحكومة ورئيسها. وأعرب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع خلال استقباله سفير المملكة المتحدة هاميش كويل عن “أسفه حيال موقف حكومة تصريف الأعمال التي، بدل أن تقوم بواجباتها لتحقيق مصالح لبنان وشعبه، سلّمت القرار إلى فريق وأفسحت له المجال في تحويل البلد إلى ساحة للقتال وورقة من أوراق البيع والشراء على طاولة الإقليم المشتعل”.
وتوجهت كتلة “تجدد” إلى الرئيس ميقاتي بان “الاعتراض على مواقفك التي قدمت فيها الغطاء من موقعك كرئيس ل#مجلس الوزراء لمعادلة وحدة الساحات، ليس مزايدة بل تصويب وتنبيه لخطورة التماهي مع مشروع تحويل لبنان مرة جديدة الى ساحة مقايضة لمشروع الممانعة”. وأضافت “أن المطلوب أن تكلف الجيش بتسلم مسؤولية الحدود وفقاً للدستور، وأن تعلن الالتزام ب#القرار 1701 دون التباس ودون ربط ملف لبنان بالحرب على غزة. بهذا يا دولة الرئيس تكون قد استعدت القرار السيادي الذي جاهرت بعدم امتلاك حكومتك له ونزعت الشرعية عن أي توجه قد يعرض لبنان للحرب، وواجهت التهديدات الاسرائيلية للبنان”.
على صعيد آخر دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة عامة قبل ظهر يومي الأربعاء والخميس الواقعين في 24 و25 كانون الثاني الجاري وكذلك مساء اليومين المذكورين لدرس وإقرار مشروع الموازنة العامة عن العام 2024.