التوتر السياسي الكبير المتفاقم، معطوفاً على أزمة اقتصادية – اجتماعية، لا يتركان مكاناً لأي مقاربة باردة تجاه أي حدث أمني، سياسياً كان أو جنائياً.
فيما تصرّ القوى المنبثقة من فريق 14 آذار، والتي تقود معركة مفتوحة ضد حزب الله، على استغلال كل حادث، واستباق أيّ تحقيقات، لتوجيه الاتهامات السياسية، بمواكبة إعلامية لبنانية وعربية، ليس صعباً التيقّن من أنها تخضع لسلطة السعودية المالية والمعنوية.
في السياسة، كان التقدير لدى الجميع بأن البلاد مقبلة على توترات لأسباب لا تتعلق فقط بانسداد الأفق الرئاسي، بل بتعقيدات تواجه المشروع السعودي في المنطقة، ولبنان من ضمنه، وهي تعقيدات تتجاوز عدم قدرة الرياض على تحقيق مكاسب بعد كل حروبها الفاشلة، بل عدم قدرتها على المضي في مصالحات قالت إنها تريدها مع كل خصومها في المنطقة.
وفي كل مرة، ينعكس توتر الجانبين السعودي والأميركي ارتفاعاً في سقف تصريحات القوى الحليفة لهما في لبنان، خصوصاً القوات اللبنانية. وهو ما حصل أمس، فور الإعلان عن تطور قضائي في حادثة وفاة أحد عناصر القوات في بلدة عين إبل الحدودية، ومع الإشكال الدموي في منطقة الكحالة، بين شباب من البلدة وفريق حماية تابع للمقاومة كان يتابع معالجة مشكلة واجهت شاحنة تابعة للمقاومة أثناء انتقالها من البقاع إلى بيروت.
خلال ساعات النهار، شنّ هذا الفريق حملة عشوائية ضد حزب الله، مستبقاً التحقيقات التي لم تكن قد بدأت في حادثة عين إبل، واتهمت حزب الله بالوقوف خلف وراء مقتل الياس الحصروني في عين إبل قبل أسبوع.
ومع حلول ساعات المساء، بدا واضحاً أن الجهوزية كانت قائمة لدى الفريق نفسه لاستغلال أيّ حادثة تقع مثلها يومياً، كانقلاب شاحنة في منطقة الكحالة، ليُطلق عنان حملة عشوائية تجاوزت الحادث إلى رفع سقف التوتير والتحريض ضد حزب الله، وذهب بعيداً في الخطاب الانفصالي.
علماً أن القوات والكتائب اللذين تصدّرا الحملة لا يمثلان القوى الأهلية والسياسية المعنية في المنطقة، وأن عائلة القتيل فادي البجاني تربطها علاقات قوية بالتيار الوطني الحر.
وكما في كل مرة، لا يمكن كبح جماح هذه القوى إلا من خلال تحقيقات ميدانية سريعة ودقيقة، تخلص إلى نتائج يتم إطلاع الجمهور عليها، لوأد أي فتنة يعمل عليها البعض في لبنان وخارجه.
ماذا حدث في الكحالة؟
بعيداً عن صراخ قنوات «أم تي في» و«أل بي سي» و«الحدث» السعودية، تعرّضت شاحنة تابعة لحزب الله لحادث سير عند «كوع الكحالة» ما أدّى إلى انقلابها، وهو حدث يكاد يكون شبه يومي على هذا المنعطف الخطر.
وفيما كان عناصر المواكبة التابعون لحزب الله، والذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، يحاولون معالجة الأمر، بدأت «عواجل» على قناة «أم تي في» تتحدث عن انقلاب شاحنة تابعة لحزب الله في المنطقة، فتجمّع عشرات من شبان البلدة حول الشاحنة وبدأوا برمي عناصر المواكبة بالحجارة، وحاولوا الاستيلاء على الشاحنة ومنع رافعة استُقدمت إلى المكان من رفعها، قبل أن يتعرض عناصر المواكبة لإطلاق نار أدّى إلى مقتل أحمد قصاص، فردّ رفاقه على مطلق النار، ما أدّى إلى مقتل فادي بجاني، وهذا موثّق في مقاطع فيديو انتشرت أمس.
وأصدر حزب الله ليلاً بياناً اتّهم فيه «مسلحين من الميليشيات الموجودة في المنطقة» بالمبادرة لإطلاق النار على عناصر الحزب المكلّفين بحماية الشاحنة التي انقلبت، ما أسفر عن استشهاد أحدهم.
وجاء في البيان أنه «أثناء قدوم شاحنة تابعة لحزب الله من البقاع إلى بيروت، انقلبت في منطقة الكحالة.
وفيما كان الإخوة المعنيون بإيصالها يقومون بإجراء الاتصالات لطلب المساعدة ورفعها من الطريق لمتابعة سيرها إلى مقصدها، تجمّع عدد من المسلحين من الميليشيات الموجودة في المنطقة، وقاموا بالاعتداء على أفراد الشاحنة في محاولة للسيطرة عليها». واتّهم الحزب المسلحين بـ«رمي الحجارة أولاً، ثم بإطلاق النار، ما أسفر عن إصابة أحد الإخوة المولجين بحماية الشاحنة، وتمّ نقله بحال الخطر إلى المستشفى، حيث استشهد لاحقاً».
وأوضح أنه «حصل تبادل لإطلاق النار مع المسلحين المعتدين، في هذه الأثناء تدخّلت قوة من الجيش اللبناني ومنعت المسلحين من الاقتراب من الشاحنة أو السيطرة عليها»، مشيراً إلى أنه مستمرٌّ باتصالاته حتى الآن لـ«معالجة الإشكال القائم».
وأقفل أهالي الكحالة ليلاً الطريق الدولي في الاتجاهين، بتحريض من حزبَي القوات والكتائب، فيما انتشرت قوات كبيرة من الجيش في المنطقة.
وأفادت قناة «إل بي سي» ليلاً بأنّ «الجيش اللبناني رفع الشاحنة وأفرغ حمولتها في شاحنة تابعة له».
… وفي عين ابل؟
جنوباً، عثر مختار بلدة حانين (قضاء بنت جبيل) ليل الأربعاء الماضي، الثاني من آب الجاري، على القيادي السابق في القوات اللبنانية الياس حصروني (76 عاماً)، من بلدة عين إبل والملقّب بـ«الحنتوش»، ميتاً داخل سيارته التي انفجرت الوسائد الهوائية (airbag)، في ما بدا أنه حادث اصطدام على طريق عين إبل – حانين.
وأفاد الطبيب الشرعي الذي عاين الجثة بأنّ الوفاة ناجمة عن اختناق جراء إصابة قوية تلقّاها أدّت إلى كسر ضلوعه وإصابة رئتيه، ما تسبّب بوفاته. الأحد الماضي دُفن «الحنتوش» الذي خدم سابقاً في جيش العميل أنطوان لحد مسؤولاً عن التموين اللوجيستي في مركز الـ 17، وسُجن ستة أشهر بعد التحرير في عام 2000.
الإثنين الماضي، تقدّم نجل الحصروني بشكوى إلى فصيلة بنت جبيل اتّهم فيها مجهولين بقتل والده، وسلّم الفصيلة مقطع فيديو التقطته كاميرات مراقبة في منزل مجاور قريب.
وتظهر في الفيديو غير الواضح صورة سيارة من نوع هوندا CRV تعترض سيارة حصروني.
وبناءً على الفيديو وادّعاء العائلة، أُعيد فتح التحقيق بإشارة المحامي العام الاستئنافي المناوب في النبطية القاضي عباس جحا الذي أعطى إشارته باستخراج الجثة لتشريحها من قبل لجنة أطباء شرعيين.
وأشار إلى تكليف فرع المعلومات بإجراء التحقيقات اللازمة بعدما كانت الفصيلة قد فتحت تحقيقاً واستمعت إلى إفادة شاهدة ادّعت أنّها رأت السيارات المشتبه فيها.
كما استُمع إلى إفادة صاحب المنزل الذي صوّرت كاميرات المراقبة فيه الحركة المشبوهة للسيارات.
وبحسب برقية الفصيلة، يذكر القائم بالتحقيق أنّ كاميرات المراقبة المثبتة في أحد المنازل الكائنة على طريق عام عين إبل – حانين، التقطت ليل الثاني من آب في تمام التاسعة والربع اعتراض سيارة رباعية الدفع، تلحقها سيارة من نوع هوندا CRV، طريق سيارة حصروني بشكل أعاق سيره وقطع الطريق عليه ليترجّل منها أشخاص صعدوا مع الضحية في سيارته قبل أن تغادر السيارات الثلاث باتجاه مكان حصول الحادث في بلدة حانين. أما الشاهدة التي أفادت المحقّقين بأنّه صودف مرورها أثناء إيصالها صديقتها، فذكرت أنّها رأت السيارة ودوّنت رقم لوحتها من دون الرمز، مدّعية أنّها شاهدت في داخلها شخصين ملتحيين يرتديان قبعتين. وذكرت أنّ السيارة أقلعت لدى مرورها، ما أثار ريبتها ودفعها لتسجيل رقم لوحة التسجيل.
مواكبة اعلامية تحريضية بلمسات سعودية تصدرتها القوات اللبنانية والكتائب
وطلب جحا إيداع فرع المعلومات نسخة عن التحقيق وهاتف الضحية لدى الفرع الفني في «المعلومات».
ويُركز التحقيق على البحث عن مسار السيارات المشتبه فيها، ولا سيما أنّ المعلومات الأمنية تُشير إلى وجود أربع سيارات، وليس اثنتين، أرقام لوحاتها لا قيود لها. وقالت مصادر متابعة للتحقيقات إنّ المحققين أمام عدة فرضيات إذا ثبت حصول عملية القتل على اعتبار أنّ الدلائل الأولى كانت تُرجّح فرضية الوفاة جراء الحادث.
ويُطرح من بين هذه الفرضيات أن تكون هناك دوافع مادية أو خلافات مالية باعتبار أنّ حنتوش يدير كازينو في المنطقة. ولا يستبعد المحققون فرضية حصول الجريمة بدافع الانتقام كونه كان عميلاً سابقاً لصالح العدو الإسرائيلي.
ترافق ذلك مع حملة ممنهجة من ماكينة إعلامية سارعت إلى توجيه اتهام إلى حزب الله بالجريمة، فيما نفى شقيق حصروني في مقابلة تلفزيونية أن تكون لمقتل شقيقه خلفيات سياسية لكونه على علاقة جيدة مع الجميع، واضعاً ما يجري في سياق «الاصطياد في الماء العكر».